كان يكتبها بعد إلقاء الدرس وتفهيمه على سبيل التسجيل والحفظ ، لنكت هامة لينتفع القارىء ، كما استفاد السامع.
وهذه هي المحاضرة الأولى من محاضراته :
الحمد لله الذي نظم بين الانسان والبهائم أن خلقهم من طين ، ثم جعل نسلهما من ماء مهين ، ثم اقتضت العناية الإلهية أن رمى في أخلاط الصورة الإنسانية من إكسير العقل بلغة أهل صنعة الكيمياء ، ما عرج به أعلا المعارج من الفضل والعلياء ، فصار ممن قال الله سبحانه فيه ـ ومن أصدق منه قيلا ـ (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ* وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) ، فاستنزل بتدبيره الطير من الهواء واستخلص الحدث من لج الماء ، واستعبد أجناس الحيوان طيرا وبهائم وسباعا ، فمنها ما انتفع بلحومها ، ومنها ما استمتع بجلودها وأصوافها وأوبارها استمتاعا ، وجعل الفلك المحيط على عظم فضائه محصورا في سرادق فكره ، بدل كون جسمه بالكون والفساد محصورا في سرادق ملكته وأسره ، فهذا منفوعه الذي نفعه الله به في الدار الأولى ، ثم جعله سلما يرتقي به إلى دائم البقاء في الدار الأخرى. فلولا نور استبصاره بالعقل ، لما كانت رسالة عن مرسل تقبل ، ولا أمر عن مرسل يؤخذ ويتحمل ، ولا نفس بمعرفة توحيد الله سبحانه ترتسم وتنير ، ولا لسان بمعارف الآخرة بين اللهوات يدور. وصلى الله على محمد خير رسول ، استنار بنور سراجه ، وسار على واضح منهاجه ، وعلى وصيه الذي عرج به من أفق المجد إلى أعلا معراجه ، وعلى آله الداعين إلى عذب المشرب وفراته ، الناهين عن ملحه وأجاجه.
معشر المؤمنين : جعلكم الله ممن استنارت بنور العقل قلوبهم ، وتجافت عن مضاجع الجهل جنوبهم ، إن قوما من الآخذين الدين بالعادات ، والجارين فيه على آثار الوالدين والوالدات ، زعموا أن شرائع الأنبياء عليهم السلام التي هي أسباب النجاة ، والطريق إلى دائم الحياة على غير العقل موضوعها. وفي سوى موقعه وقوعها فلو أنهم أنعموا