الفصل الثالث
تأسيس الأزهر وبدء حياته الجامعيّة
الأزهر بيت العلم العتيق ، ومثابة الثقافة الاسلامية ، حمل لواء المعرفة في مصر وفي الشرق الإسلامي قرونا متصلة ، وحفظ التراث الإسلامي دينا ولغة من عاديات الزمن ، ونشره على الآفاق ، ولم يبخل به على أي طالب علم قصده من مشارق الأرض أو مغاربها. وقد ظل الأزهر طوال ألف سنة ـ وما يزال حتى اليوم ـ كعبة العلم والدين ، ومعقد آمال المسلمين ، وقد تخرج فيه أفواج وأفواج من جلة العلماء انتشروا في بقاع الأرض ، وحملوا معهم مشاعل المعرفة والثقافة التي تزودوا بها في الأزهر ، فأضاؤو جنبات الأرض علما ونورا وتقى.
أنشأ الجامع الأزهر جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي «المعز لدين الله» ، وشرع في بنائه يوم السبت لست بقين من شهر جمادى الأول (١) سنة ٣٥٩ ه (٩٧٠ م) ، وكمل بناؤه لسبع خلون من شهر رمضان سنة ٣٦١ ه ٢٢ يونيو ٩٧٢ م ، وكان الغرض من إنشائه أن يكون رمزا للسيادة الروحية للدولة الفاطمية ، ومنبرا للدعوة التي حملتها هذه الدولة الجديدة إلى مصر. وقد كتب بدائرة القبة التي في الرواق الأول وهي على يمين المحراب والمنبر ما نصه بعد البسملة : مما أمر ببنائه عبد الله
__________________
(١) يذكر بعض المؤرخين انه شرع في بنائه في يوم السبت الرابع من شهر رمضان عام ٣٥٩ ه (٢٧٣ ج ٢ المقريزي ، ٣٦٤ ج ٣ القلقشندي).