لما صغى الباشا للكلام هم بضرب الشيخ بالحسام قال له الجند فدع جذب الحسام فإن هذا شيخ الإسلام الإمام
وانحاز الجند للشيخ ، فأرسل الباشا نبأ هذه الواقعة إلى السلطان فأنعم عليه بعتقه مع تبليغ الشكر إلى الشيخ. وسعى الباشا بعد ذلك إلى الشيخ واسترضاه وقبل رجله ، ولم يقبل الشيخ منه مالا ولا هدية ، ولكنه أصبح من ذلك الحين لا يرد للشيخ رأيا ولا شفاعة (١).
والمهم في هذه الرواية هو نعت الشيخ ابن عبد الحق «بشيخ الإسلام الإمام» ، فإنا نعرف أن لقب شيخ الاسلام كان يطلق قبل الفتح العثماني على «قاضي القضاة» الشافعي ، وقد كان آخر من لقب بهذا اللقب من المصريين قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن علي المتوفى سنة ٩٤٩ (٢) ، فلما ألغى الترك نظام القضاء المصري ، وأقاموا في رياسة القضاء قاضيا تركيا ، كان هذا اللقب يطلق فيما بعد على أكابر العلماء الذين يصلون إلى مرتبة الزعامة العلمية أو على شيوخ الجامع الأزهر والأغلب أن يطلق على هؤلاء الشيوخ.
فهل كان ابن عبد الحق شيخا للجامع الأزهر؟ لقد جاء في ترجمته أنه كان واعظا بالجامع الأزهر. وقال معاصره الإمام الشعراني عنه ما يأتي : «لم نر أحدا من الوعاظ أقبل عليه الخلائق مثله. كان إذا نزل من فوق الكرسي ، يقتتل الناس عليه ، وكان متفننا في العلوم الشرعية ، وله الباع الطويل في معرفة مذاهب المجتهدين. وكان من رؤوس أهل السنة والجماعة ، وكان قد اشتهر في أقطار الأرض كالشام والحجاز واليمن والروم ، وصاروا يضربون به المثل ، وأذعن له علماء مصر الخاص منهم والعام» ، ثم قال : «ولما مات أظلمت مصر لموته وانهدم ركن عظيم من
__________________
(١) هذه القصيدة بأكملها في المخطوط المشار إليه ورقة ١٥٠ و١٥١ عنوان (واقعة ابن عبد الحق مع داود باشا).
(٢) الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة (المخطوط) ج ٢. ص ١٨٢.