المال أصواتهم وليس فيه إلّا غرارتين (١) ، فقالوا : النجاء ، فإن القوم إنّما يحاولون الدنيا ، فهربوا وأتوا بيت المال فانتهبوه ، وماج الناس ، فالنائي يسترجع ويبكي ، والطارئ يسعى ويفرح.
وقتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة (٢) من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر بن الخطّاب ، وبقي الناس فوضى ، وندم القوم ، فتخلى منهم الشيطان.
وأتى الزبير الخبر بمقتل عثمان وهو حيث هو ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحم الله عثمان وانتصر له ، وقيل له : إنّ القوم نادمون (٣) ، فقال : دبروا دبروا (٤) ، (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ ، إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)(٥) ، وأتى طلحة الخبر ، فقال : يرحم الله عثمان ، وانتصر له وللإسلام ، وقيل له : القوم نادمون ، فقال : تبا لهم ، وقرأ (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ، وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ)(٦) وأتى عليا الخبر ، فقيل : قتل عثمان ، فقال : رحم الله عثمان ، وحلف علينا بخير ، وقيل ندم القوم فقرأ (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ)(٧) إلى آخر الآية ، وطلب سعد ، فإذا هو في حائطه ، وقال : لا أشهد قتله ، فلما جاءه قتله قال : فررنا إلى المدينة بديننا ، فصرنا اليوم نفرّ منها بديننا ، وقرأ أولئك (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(٨) اللهم أندمهم ثم خذهم ، وكان الزبير قد خرج أيضا لئلا يشهد قتله ، كارها (٩) أن يقيم بالمدينة ، فأقام على طريق مكّة.
أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني ، وابن السّمرقندي ، وأبو تراب المقرئ ، قالوا : أنا عبد العزيز بن أحمد ، أنا عبد الرّحمن بن عثمان بن أبي نصر ، نا أبو بكر أحمد بن محمّد ، وأبو الميمون بن راشد ، قالا : نا أبو عبد الملك القرشي ، نا محمّد بن عائذ ، نا الحكم بن هشام العقيلي ، عن عبّاد بن منصور ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، قال : كان عثمان كخير ابني آدم.
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، وم ، وفي الطبري : غرارتان ، وهو الأشبه.
(٢) الأصل وم و «ز» : لثمان عشر.
(٣) الأصل وم و «ز» : نادمين.
(٤) كذا بالأصل وم ، والحرف الثاني في اللفظة لم يعجم في «ز» ، وفي الطبري : ذئروا.
(٥) سورة سبأ ، الآية : ٥٤.
(٦) سورة يس ، الآية : ٥٠.
(٧) سورة الحشر ، الآية : ١٦.
(٨) سورة الكهف ، الآية : ١٠٤.
(٩) الأصل وم و «ز» : كاره.