وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ، وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)(١) وو الله لأقينّكم بنفسي ، ولأبذلنّها دونكم ، أو تقرنوا لهم وأنتم وذاك.
وجاء النعمان بن بشير فقال مقالة الحسن ، وردّ عليه مثل ذلك ، وجاء عبد الله بن الزبير فقال له مثل ذلك ، وجاء محمّد بن طلحة فقال مثل ذلك ، وجاء أبو الهيثم بن التيّهان فقال : كيف بتّ يا أمير المؤمنين؟ قال : بخير ، قال أبو الهيثم : بأبي أنت وأمي ، اصبر ولا تعطي الدنية ، ولا تهدم سلطان الله ، وقال متمثلا :
لعمري لموت لا عقوبة بعده |
|
لذي اللب أشفى من شقا لا يزايله |
فعرف الناس أنه لا يعطيهم شيئا ، وأفرحهم بذلك.
قالوا : ولما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته ، وعزم له المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله تعالى ، قال : اخرجوا رحمكم الله ، فكونوا بالباب ، وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني ، وأرسل إلى علي وطلحة والزبير وعدة : أن ادنوا فاجتمعوا ، وأشرف عليهم ، فقال : يا أيّها الناس ، اجلسوا ، فجلسوا جميعا : المحارب ، والطارئ ، والمسالم المقيم ، فقال : يا أهل المدينة إنّي أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي ، إنّي والله لا أدخل عليّ أحدا بعد يومي هذا حتى يقضي الله فيّ قضاءه ، ولأدعنّ هؤلاء وما رأوا ، وإنّي غير معطيهم شيئا يتّخذونه عليكم دخلا في دين أو دنيا ، وحتى يكون الله الصانع في ذلك ما أحب ، وأمر أهل المدينة بالرجوع ، وأقسم عليهم ، فرجعوا ، إلّا الحسن ومحمّدا (٢) وابن الزبير ، وأشباها لهم ، فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم ، وثاب إليهم أناس ، ولزم عثمان الدار.
قالوا (٣) : وكان الحصر أربعين ليلة ، والنزول سبعين ، فلما مضت من الأربعين ثمان عشرة ليلة قدم ركبان من الوجوه ، فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق : حبيب من الشام ، ومعاوية من مصر ، والقعقاع من الكوفة ، ومجاشع من البصرة ، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ، ومنعوه كلّ شيء حتى الماء ، وقد كان يدخل عليه بالشيء ، مما يريد ، وطلبوا العلل فلم يطلع عليهم علّة ، فعثروا ، فرموا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا (٤) : قوتلنا ـ وذلك
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ١٢٧ ، وفي الأصل : ولا تكن.
(٢) بالأصل وم و «ز» : ومحمد.
(٣) انظر تاريخ الطبري ٤ / ٣٨٥.
(٤) بالأصل وم و «ز» : فيقولون.