وإنه بغي علي بعد ذلك ، وعدي على الحق ، فكتبت إليكم وأصحابي الذين رغبوا في الإمرة ، واستعجلوا القدر منعوني الصّلاة ، وحالوا بيني وبين المسجد ، وابتزوا ما قدروا عليه من شيء بالمدينة ، فكتبت إليكم كتابي هذا وهم يخيرونني بين إحدى ثلاث : إمّا أن يقيدوني بكلّ رجل أصبته بخطإ أو صواب ، مأخوذ به ، غير متروك منه شيئا زعموا ، وإمّا أن أفتدي بالإمرة فأعتزل ويؤمر عليهم آخر ، وإمّا أن يرسلوا إلى من أطاعهم من الجنود وأهل المدينة فيبرءوا من الذي جعل الله عزوجل لي عليهم من السمع والطاعة.
فقلت : أمّا إقادة نفسي فإنه قد كان قبلي خلفاء ، ومن يلي السلطان يخطئ ويصيب ، ولم يستقد من أحد منهم قبلي ، وقد علمت إنّما يريدون بذلك نفسي ، وأما قولكم أتبرأ من الإمرة ، فإن تقتلوني أحبّ إليّ من أن تبرأ من الإمرة ، وعمل الله جل وعز وخلافته ، وأما قولكم : نرسل إلى من أطاعنا من الجنود وأهل المدينة ، فيتبرأ منك من أطاعنا منهم ، فلست عليهم بوكيل ، ولم أكن أكرهتهم بالسمع والطاعة قبل ، ولكن أتوها طائعين ، يبتغون بها وجه الله جلّ وعزّ ، وصلاح الأمة ، فمن يكن منكم إنّما يبتغي الدنيا بغنى فليست الدنيا ثمنا لرقابكم ولا دينكم ، ومن يكن منكم إنّما يبتغي وجه الله جلّ وعزّ وأجر الآخرة ، وصلاح الأمة ، واتّباع السّنّة الحسنة التي سنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم والخليفتان بعده ، فإنّما يجزى بذلكم الله جل وعز ، وليس بيدي جزاؤكم ، ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم تكن ثمنا لرقابكم ، ولا لدينكم ، ولا تغن (١) عنكم شيئا ، فاتّقوا الله ، واحتسبوا ما عنده لكم ، فإنّ الله جل وعز قال وقوله الحق : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)(٢) قال : قرأها إلى قوله : (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٣) ، فمن يرض منكم بالنكث فإنّي لا أرضاه له ، ولا يرضى الله أن ينكث عهده ، وإن الذي خيّروني (٤) بينه إنّما هو النزع كله والتأمير ، فملكت نفسي ، ونظرت حكم الله ، وتعبير أهل البقيّة من عباد الله ، وكرهت سنّة السوء وفساد الأمة ، وسفك الدماء ، والتشييع (٥) ، وإنّي أذكّركم بالله وبالإسلام أن تأخذوا الحق وتعطوه عنّي وتردّوا البغي على آخذه منا عن بغيه ، ذلكم بأن الله قال وقوله الحق : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي
__________________
(١) كذا بالأصل ، وفي «ز» ، وم : ولا تغن ، وفي الطبري : ولم يغن ، ولعل الصواب : ولا تغني.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ١١٢.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ١١٢.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» ، والطبري : يخيروني.
(٥) كذا بالأصل ، وفي «ز» : والتشيع ، وبدون إعجام في م.