نعمته. أما بعد ، فإنّ الله جل وعز رضي لكم السمع والطاعة والجماعة ، وحذّركم المعصية والفرقة والاختلاف ، وأنبأكم أن (١) قد فعله الذين من قبلكم ، وتقدّم إليكم ؛ لتكون له الحجة عليكم إن عصيتموه ، فاقبلوا نصيحة الله جل وعز ، واحذروا عذابه ، فإنكم لن تجدوا أمة من الناس هلكت إلّا من بعد أن تختلف ، فلا (٢) يكون لها رأس يجمعها ، ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا صلاة جميعا ، ولا تخرجوا صدقة جميعا ، ويسلّط عليكم عدوكم ، ولا تقبضوا رزقا ، ولا عطاء ، ويستحلّ بعضكم حرمة بعض ، ولا تكن (٣) لكم ذمة ، وتكونوا شيعا ، وقد قال الله جلّ وعزّ لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٤) ، وإنّي أوصيكم بما أوصاكم الله به ، وأحذركم عذابه ، فإنّ شعيبا قال لقومه : (يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي)(٥) قال ابن أبي الخصيب : قرأها إلى (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ)(٦).
أما بعد ، فإنّ أقواما ممن قال في هذا الحديث أظهروا للناس إنّما تدعون إلى كتاب الله والخير ، ولا يريدون به الدنيا ، ولا منازعة فيها ، فلما عرض عليهم الحق إذا الناس في ذلكم شتى ، منهم الآخذ للحق ، نازل عنده حتى يعطاه ، ومنهم تارك للحق راغبا (٧) في الأمر ، يريد أن يبتزه بغير الإمرة ، واستعجلوا القدر ، وقد كانوا كتبوا إليكم أنهم قد رضوا بالذي أعطيتهم ، ولا أعلمني نزعت من الذي عاهدتم عليه شيئا كانوا يزعمون إنّما يطلبون كتاب الله عزوجل والحدود ، فقلت : أقيموها (٨) على من قد علمتم من قريب أو بعيد ، وقالوا : كتاب الله يتلى ، فقلت : ليتله (٩) من شاء غير غال فيه ، من تلاه بغير ما أنزل الله في الكتاب ، وقالوا : المنفي يقلب إلى داره ، والمحروم يرزق والمال يوفر ، وليس فيه السنة الحسنة ، ولا يتعدى في الخمس ، ولا في الصّدقة ، ويؤمر ذو القوة والأمانة ، ويردّ مظالم الناس إلى أهلها ، فرضيتم بذلك كله ، واصطبرت له ، وجئت نسوة النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت : ما تأمرن (١٠) بفعله؟ فقلن (١١) : أمر عمرو بن العاص ، وعبد الله بن قيس ، وذر معاوية ، فإنّما أمره الأمراء قبلك ، وأقرّ ابن كريز على البصرة ، فإنه مصلح لأرضه ، راض به جنده ، وأمره أن يصلح أرضه ، فكلّ ذلك فعلت ،
__________________
(١) الطبري : ما.
(٢) الطبري : إلّا أن يكون.
(٣) الأصول : تكون.
(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٥ و ٦) سورة هود ، الآية : ٨٩.
(٧) كذا بالأصول.
(٨) الأصل : قيموها ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٩) الأصول : ليتلوه.
(١٠) الأصل : تأمرون ، والتصويب عن م و «ز».
(١١) الأصل : فلقن ، والتصويب عن م و «ز».