[عثمان](١) ، فقال : ما لك لا تقول؟ قال : إن قلت لم أقل إلّا ما تكره ، وليس لك عندي إلّا ما تحبّ.
قال أبو العباس : تأويل ذلك : أنّي إن تكلمت (٢) اعتددت عليك بمثل ما اعتددت به عليّ ، فلذعك عتابي وعقدي أن لا أفعل ـ وإن كنت عاتبا ـ إلّا (٣) ما تحبّ.
قال القاضي أبو الفرج.
هذا الذي تأوله أبو العباس وجه مفهوم. وفي هذا القول تأويل آخر ، وهو أن يكون أراد : أنه إن شرع في مخاطبته بما استدعى أن يخاطبه فيه ذكر له أنه أتى بخلاف الأصوب عنده ، وترك ما كان الأولى به أن يفعله ، إلّا أنه لإشفاقه عليه مع إيثاره ، النصيحة له آثر محبته وكره إظهار ما فيه تثريب عليه ، أو لائمة له ، وهذا التأويل عندي أصح من قول أبي العباس ، وقد ورد في معناه ما نشهد لما وصفنا في القصة التي ذكرنا :
حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، نا عبد الرّحمن بن منصور ، نا العتبي ، عن أبيه قال :
بعث عثمان بن عفّان إلى ابن عباس وهو محصور ، فأتاه ، وعنده مروان بن الحكم ، فقال عثمان : يا ابن عباس ، أما ترى إلى ابن عمّك ، كان هذا الأمر في بني تيم وعدي ، فرضي وسلّم ، حتى إذا صار الأمر إلى ابن عمه بغاه الغوائل ، قال ابن عباس : فقلت له : إنّ ابن عمك والله ما زال عن الحق ولا يزول ، ولو أن حسنا وحسينا بغيا في دين الله الغوائل لجاهدهما في الله حقّ جهاده ، ولو كنت كأبي بكر وعمر لكان لك كما كان لهما (٤) ، بل كان لك أفضل لقرابتك ورحمك وسنك ، ولكنّك ركبت الأمر وهاباه ، قال ابن عباس : فاعترضني مروان فقال : دعنا من تخطئتك يا ابن عباس ، فأنت كما قال الشاعر :
دعوتك للغياث (٥) ولست أدري |
|
أمن خلفي المنية أم أمامي |
فشقّقت الكلام رخيّ بال |
|
وقد جلّ الفعال عن الكلام |
__________________
(١) الزيادة للإيضاح عن «ز» ، وم ، والجليس الصالح والكامل للمبرد.
(٢) في الكامل : قلت.
(٣) الأصل : «إلى» والتصويب عن «ز» ، وم ، والمصادر.
(٤) في الجليس الصالح : كان لأبي بكر وعمر.
(٥) الجليس الصالح : للعتاب.