قضى الذي عليه ، وخلّف فينا كتابه ، فيه حلاله وحرامه ، وبيان الأمور التي قدّر ، فأمضاها على ما أحبّ العباد وكرهوا ، فكان الخليفة أبو بكر ، ثم عمر ، ثم أدخلت في الشورى عن غير علم ، ولا مسألة عن ملأ من الأمة ، ثم اجتمع أهل الشورى على ملأ منهم ومن الناس عن غير طلب مني ولا محبة ، فعملت فيهم بما يعرفون ولا ينكرون ، تابعا غير مستتبع ، متبعا (١) غير مبتدع ، مقتديا (٢) غير متكلف ، فلما انتهت الأمور ، وانتكث الشرّ بأهله ، بدت ضغائن وأهواء على غير اجترام ، ولا ترة فيما مضى إلّا إمضاء الكتاب ، وطلبوا أمرا وأعلفوا غيره بغير حجة ولا عذر ، فعابوا عليّ أشياء مما كانوا يرضون ، وأشياء على ملأ من أهل المدينة لا يصلح غيرها ، فصبرت لهم نفسي ، وكففتها عنهم منذ سنين ، وأنا أرى وأسمع ، فازدادوا على الله جرأة حتى أغاروا علينا في جوار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحرمه ، وأرض الهجرة ، وثابت إليهم الأعراب ، فهم كالأحزاب أيام الأحزاب ، ومن غزانا بأحد إلّا ما يظهرون ، فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق.
فأتى الكتاب أهل الأمصار ، فخرجوا على الصعبة والذلول ، فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري ، وبعث عبد الله بن سعد معاوية بن حديج السكوني ، وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو ، وكان المحضضون بالكوفة على إغاثة أهل المدينة : عقبة بن عمرو ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وحنظلة بن الربيع التميمي ، في أمثالهم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان المحضضون بالكوفة من التابعين أصحاب عبد الله : مسروق بن الأجدع ، والأسود بن يزيد ، وشريح بن الحارث ، وعبد الله بن عكيم في أمثال لهم يسيرون فيها ، ويطوفون [على مجالسها](٣) ويقولون : يا أيها الناس الكلام اليوم وليس به غدا ، وإنّ النظر يحسن اليوم ويقبح غدا ، وإنّ القتال يحلّ اليوم ويحرم غدا ، انهضوا إلى خليفتكم وعصمة أمركم.
وقام بالبصرة عمران بن حصين ، وأنس بن مالك ، وهشام بن عامر في أمثالهم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يقولون مثل ذلك ، ومن التابعين : كعب بن سور ، وهرم بن حيّان العبدي ، وأشباه لهما يقولون مثل ذلك.
وقام بالشام : عبادة بن الصامت ، وأبو أمامة ، وأبو الدرداء في أمثالهم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومن التابعين : شريك بن خباشة النّميري ، وأبو مسلم الخولاني ،
__________________
(١) بالأصل و «ز» ، وم : متبع ، والتصويب عن الطبري.
(٢) بالأصل و «ز» ، وم : مقتدي ، والتصويب عن الطبري.
(٣) الزيادة عن «ز» ، وم.