الفصل الخامس والخمسون
فى أغرب غرائب مصر وطلاسمها وعجائبها وحرف أهلها
سوف أتحدث عن لون
بشرة شعب مصر ، أم الدنيا ، وحرفه بقدر وقوفى على حقيقة أمرها.
ومصر التى تحدثت
عنها آنفا على وجه التفصيل هى «مصر القديمة» أى مدينة «الفسطاط» التى كانت عامرة
فى الزمان الخالى. ومصر الحديثة ليست أحد أحيائها.
فقد أرخ علماء العالم
بقولهم : إن حدود مصر تمتد من رشيد ودمياط والإسكندرية إلى إبريم وقلعة الصاى فى
مسافة غاية فى عمرانها تقطع فى ثلاثة أشهر على ضفاف النيل حتى إن الرسائل كانت
تسلم من يد إلى يد فتصل من رشيد إلى أسوان وأسنا والمنيا والصعيد العالى. فكانت
مصر العتيقة مدينة مستبحرة العمران تتقارب قصورها العالية على ضفتى النيل بحيث
يستطيع الديك أن ينتقل من سقف إلى سقف ويصل من مدينة بولاق ومصر العتيقة إلى مدينة
«مقدونية» وهى موضع أثر قدم النبى صلى الّله عليه وسلم.
وكان أحد فروع نهر
النيل يمتد من شمال مدينة القاهرة إلى عين شمس بمسيرة ست ساعات مستبحرة العمران
على ضفتى النيل ، كما أن أحد فروعه كان يبلغ مرحلتين من القاهرة حتى الفيوم وما
بين ذلك حدائق وبساتين ولا يخلو موضع فيها من زرع. وهذا مما يجعله فى النظر أحسن
وأجود الأقاليم ، كما أنه أكثر الأقاليم خيرات وأكثرها قرى.
وفى جوف هذه الأراضى
من أرض مصر كنوز عظيمة ودفائن جسيمة. يقول مؤرخ العالم الشيخ المقريزى : إنه لا
يخلو ذراع من أرض مصر من كنز قديم.
وفى أيامنا تلك
يعثر على أكثر من كنزين فى كل عام. وهذا ما يبين إلى أى حد بعيد كانت ضفة النيل
معمورة.
وقد نزلت فى شأن
مصر آيات قرآنية على الرسول صلىاللهعليهوسلم ، يقول عز من قائل : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) (٢٦) [الدخان : ٢٥
ـ ٢٦] ، وقد فسر المفسرون هذه الآية بقولهم أن المقصود منها أرض مصر ونهر النيل.