الركن للتبول والتغوط ليس إلا ، وكان ينام ساعة واحدة ، ولم يشاهد ماشيا ، وقضى عمره أصم أبكم ، وقد شغلته الطاعة والعبادة عن كل شىء فى الدنيا وقد حكى البكوات الذين اختلطت بهم قالوا ، إنهم كانوا يزورونه كسيفى البال ولكن المسرّة كانت تدخل قلوبهم بزيارته وقد دفن فى هذه المدينة آلاف من الصحابة رحمة الله عليهم أجمعين ، وفى هذه المدينة يسمون العرب العبابدة ، وهم يشكلون قبيلة تسكن تلك المدينة ، إنهم قوم يعيشون فى نعيم وهم شجعان وعددهم ستة آلاف ، وهم على الدوام يحملون الغلال إلى ميناء القصير وهم يمضون فى أرض رملية حيث يقطعون مسافة فى الصحراء والجبال وتحت حرارة الشمس وفى القرى يتناولون الإفطار ، وتجاوزناها بعشر ساعات فبلغنا القصير.
أوصاف قلعة ميناء القصير
إنها على البحر الأحمر وهى بناء صغير وحصين ، ومحيطها خمسمائة خطوة ، وأول من بناها محمد بن أبى بكر ، وبعده الظاهر بيبرس والسلطان قايتباى وقد عمرها ، وهى قائمة على صخرة وليس لها خندق وبابها يتجه نحو الغرب ولها رئيس ومائتان من الجند وعتاد سبعة عشر مدفعا صغيرا وجامع وعشرون غرفة ومخزن للقمح وغرف للضيافة ، ولا وجود فيها لحمّام وليس فيها خان ولا سوق ، ولا أثر فيها لحديقة ، إنها أرض جزيرة ولها مرفأ عظيم ومرفأها يأمن الرياح جميعا ، وفى الجهة المقابلة ميناء ينبع ، والوصول منها إلى المدينة فى يومين وميناء مكة توجد على مسيرة ثلاثمائة وستين ميل ومن جدة إلى مكة ثمانية أو تسع ساعات ، وتأتى السفن من الحجار على الدوام إلى القصير ، وهذه السفن تبحث عن الغلال والعبابدة يبيعون الماء بالقطرة الواحدة وعندما قدمت هذه القلعة شكى لى أهلها من شدة الظمأ ، وبالقرب من القلعة دليل على وجود الماء ، ثم ركبنا جيادنا وقد بلغنا مكانا يسمى جيرك وحقيقة الأمر أنه مكان فيه ماء وعرضت شكوتهم على إبراهيم باشا وزير مصر وأوصلت أعيان القلعة إلى إبراهيم باشا فرصد عشرة أكياس ، ومع أغا موثوق به فأمر هذا الأغا المعتمد عليه بحفر بئر ، وأقام عنده مصطبة وقصرا فنبع منها ماء عذب ، ولله الحمد أن هذا تم بمسعى من هذا الرجل ،