وفي جزيرة القمر ، ثلاثة أنهار : أحدها في شرقيها من قنطورا ومعلا ، وثانيها في غربيها ينصب من جبل قدم آدم على مدينة سبا ، ويأخذ مارا على مدينة فردرا ، وينجر هناك بحيرة في جنوبها مدينة كيما ، حيث محل السودان الذين يأكلون الناس. وثالثها في غربيها أيضا ويخرج من الجبل المشبه ماء محدودب الذيل يطوف بمدينة دهما فتبقى مدينة دهما في جزيرة بينهما يكون هو محيطا بها شرقا وجنوبا وغربا ويصير لذلك كالجزيرة ، ويتصل شمالها بالبحر الهندي ، وتقع مدينة قوارة في غربيه ، حيث يصب في البحر الهندي.
ومن جبل القمر يخرج نهر النيل ، وقد كان يتبدّد على وجه الأرض فلما قدم نقراوش الحدار بن مصريم الأوّل ابن مركابيل ابن دوابيل بن عرباب ابن آدم عليهالسلام إلى أرض مصر ومعه عدّة من بني عرباب ، واستوطنوها ، وبنوا بها مدينة أمسوس وغيرها من المدائن حفروا النيل حتى أجروا ماءه إليهم ، ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري بل ينبطح ، ويتفرّق في الأرض حتى وجه إلى النوبة الملك نقراوش ، فهندسوه وساقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها ، وساقوا منه نهرا إلى مدينة أمسوس ، ثم لما خربت أرض مصر بالطوفان ، وكانت أيام البودشيرين قفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليهالسلام عدل جانبي النيل تعديلا ثانيا بعدما أتلفه الطوفان.
قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه فملك البودشير ، وتجبر ، وهو أوّل من تكهن ، وعمل بالسحر ، واحتجب عن العيون وقد كانت أعمامه أشمن وأتريب وصا ملوكا على أحيازهم. إلا أنه قهرهم بجبروته ، وقوّته فكان الذكر له كما تجبر أبوه على من قبله لأنه كان أكبرهم ولذلك أغضوا عنه فيقال : إنه أرسل هرمس ـ الكاهن المصري ـ إلى جبل القمر الذي يخرج النيل من تحته ، حتى عمل هناك التماثيل النحاس ، وعدل البطيحة التي ينصب فيها ماء النيل. ويقال : إنه الذي عدل جانبي النيل ، وقد كان يفيض وربما انقطع في مواضع. وهذا القصر الذي فيه تماثيل النحاس يشتمل على خمس وثمانين صورة جعلها هرمس جامعة لما يخرج من ماء النيل بمعاقد ومصاب مدورة وقنوات يجري فيها الماء وينصب إليها إذا خرج من تحت جبل القمر حتى يدخل من تلك الصور ، ويخرج من حلوقها ، وجعل لها قياسا معلوما بمقاطع ، وأذرع مقدّرة ، وجعل ما يخرج من هذه الصور من الماء ينصب إلى الأنهار ثم يصير منها إلى بطيحتين ، ويخرج منهما حتى ينتهي إلى البطيحة الجامعة للماء الذي يخرج من تحت الجبل ، وعمل لتلك الصور مقادير من الماء الذي يكون معه الصلاح بأرض مصر. وينتفع به أهلها دون الفساد ، وذلك الانتهاء المصلح ثمانية عشر ذراعا بالذراع الذي مقداره اثنان وثلاثون إصبعا. وما فضل عن ذلك عدل عن يمين تلك الصور ، وشمالها إلى مسارب يخرج ، ويصب في رمال وغياض لا ينتفع بها من خلف خط الاستواء. ولو لا ذلك لغرّق ماء النيل البلدان التي يمر عليها.