ذكر حدود مصر وجهاتها
اعلم أن التحديد هو صفة المحدود على ما هو عليه ، والحدّ هو نهاية الشيء ، والحدود تكثر وتقل بحسب المحدود والجهات التي تحدّ بها المساكن.
والبقاع أربع جهات وهي : جهة الشمال : التي هي إشارة إلى موضع قطب الفلك الشماليّ المعروف من كواكبه الجدي ، والفرقدان ، ويقابل جهة الشمال الجهة الجنوبية ، والجنوب عبارة : عن موضع قطب الفلك الجنوبيّ الذي يقرب منه سهيل ، وما يتبعه من كواكب السفينة ، والجهة الثالثة : جهة المشرق وهو مشرق الشمس في الاعتدالين اللذين هما رأس الحمل أوّل فصل الربيع ، ورأس الميزان أوّل فصل الخريف ، والجهة الرابعة : جهة المغرب وهو مغرب الشمس في الاعتدالين المذكورين ، فهذه الجهات الأربع ثابتة بثبوت الفلك غير متغيرة بتغير الأوقات وبها تحدّ الأراضي ونحوها من المساكن ، وبها يهتدي الناس في أسفارهم وبها يستخرجون سمت محاريبهم.
فالمشرق والمغرب معروفان ، والشمال والجنوب جهتان مقاطعتان لجهتي المشرق والمغرب على تربيع الفلك ، فالخط المار بنقطتي الشمال والجنوب يسمى : خط نصف النهار ، وهو مقاطع للخط المار بنقطتي المشرق والمغرب المسمى : بخط الاستواء على زوايا قائمة ، وأبعاد ما بين هذين الخطين متساوية فالمستقبل للجنوب يكون أبدا مستدبرا للشمال ، ويصير المغرب عن يمينه ، والمشرق عن يساره ، وهذه الجهات الأربع هي التي ينسب إليها ما يحد من البلاد ، والأراضي والدور إلا أن أهل مصر يستعملون في تحديدهم بدلا من الجهة الجنوبية لفظة القبلية ، فيقولون الحدّ القبليّ ينتهي إلى كذا ، ولا يقولون الحدّ الجنوبيّ ، وكذلك يقولون الحدّ البحريّ ينتهي إلى كذا ، ويريدون بالبحريّ الحدّ الشماليّ ، وقد يقع في هاتين الجهتين الغلط في بعض البلاد وذلك أن البلاد التي توافق عروضها عرض مكة إذا كانت أطوالها أقل من طول مكة ، فإن القبلة تكون في هذه البلاد نفس الشرق بخلاف التي توافق عروضها عرض مكة ، إلا أن أطوالها أطول من طول مكة ، فإنّ القبلة في هذه البلاد تكون نفس الغرب ، فمن حدّد في شيء من هذه البلاد أرضا أو مسكنا بحدود أربعة ، فإنه يصير حدّان منها حدّا واحدا ، وكذلك جهة البحر لما جعلوها قبالة جهة القبلة ، وحدّدوا ما بينهما من الأراضي ، والدور بما يسامتها منه ، فإنهم أيضا ربما غلطوا ، وذلك أن