أمر أبجد ، فطغى حتى ملك الحجاز واليمن ، وكان له خمسة أولاد هم : هوّز ، وحطي ، وكلمن ، وسعفص ، وقرشت ، فأقام أبجد ملكا باليمن ، مائة سنة. ومات وقد استخلف من بعده ابنه : كلمن باليمن ، وجعل ابنه هوّز على الحجاز ، وابنه حطي على أرض مصر ، وابنه سعفص على الجزيرة ، وبلادها حيث الموصل وحرّان إلى أرض العراق ، وابنه قرشت على العراق ومشارفها من خراسان ، وكان قرشت هو الجبار فيهم ، وكان سعفص وهوّز وكلمن أهل عدل وحلم ، وكان حطي صاحب بطش وجرأة.
وكان بنو إسرائيل إذ ذاك بالشام ، فلم يملك أولاد أبجد أرض الشام ، ولا احتووا عليها ، وكانت مدّة ملكهم نحوا من مائة وخمسين سنة ، فتم لهم بدولة أبيهم أبجد ثلثمائة سنة وأزيد.
ثم ملك بعدهم على بني إسرائيل ، روزيت بن هوّز ، وعرزيت بن حطي بن أبجد نحو سبع سنين ، ثم خرجت الدولة عن أولاد أبجد ، وأقام هذا الكتاب عندهم زمانا ، ثم أعادوه إلى الجبّ من قلعة الأعوج.
حدّثني بهذا الخبر ، الحافظ المتقن الضابط أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الغريانيّ التونسيّ المالكيّ ، قال : حدثني به شتر بن غنيم العامريّ شيخ لقيه بأرض فلسطين ، أنه شاهد الكتاب المذكور ، وهو شاب ، وحفظ منه ما تقدّم ذكره.
وقيل : إنّ مالك بن دعر بن حجر بن جديلة بن لخم كان له أربعة وعشرون ولدا ذكرا ، فكثرت أولادهم ، حتى بنوا المدائن والقرى والحصون ، وعمروا بلاد مدين كلها ، وغلبوا على بلاد الشام ومصر والحجاز ، وغيرها خمسمائة سنة ، وقيل : إنما كان استيلاء ملوك مدين على مصر ، خمسمائة سنة بعد غرق فرعون موسى ، وهلاكه دلوكة بنت زفان ، حتى أخرجهم منها نبيّ الله سليمان بن داود ، فعاد الملك إلى القبط بعدهم.
ذكر مدينة فاران (١)
هذه المدينة بساحل بحر القلزم ، وهي من مدن العماليق على تل بين جبلين ، وفي الجبلين ثقوب كثيرة لا تحصى مملوءة أمواتا ، ومن هناك إلى بحر القلزم ، مرحلة واحدة ، ويقال له هناك ساحل بحر فاران ، وهو البحر الذي أغرق الله فيه فرعون ، وبين مدينة فاران ، والتيه مرحلتان ، ويذكر أنّ فاران اسم لجبال مكة ، وقيل : اسم لجبال الحجاز ، وهي التي ذكرت في التوراة ، والتحقيق أنّ فاران والطور كورتان من كور مصر القبلية ، وهي غير فاران المذكورة في التوراة ، وقيل : إنّ فاران بن عمرو بن عمليق هو الذي نسب إليه جبال الحرم ،
__________________
(١) فاران : كورة من كور مصر القبلية وأيضا من أسماء مكة وجبالها. البلدان ج ٤ / ١٢٥.