قال القضاعيّ : سجن يوسف عليهالسلام ببوصير من عمل الجيزة ، أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان ، وفيه أثر نبيين ، أحدهما يوسف ، سجن به المدّة التي ذكر أن مبلغها سبع سنين ، وكان الوحي ينزل عليه فيه ، وسطح السجن موضع معروف ، بإجابة الدعاء ، يذكر أن كافور الإخشيديّ ، سأل أبا بكر بن الحدّاد عن موضع معروف بإجابة الدعاء ليدعو فيه؟ فأشار عليه بالدعاء على سطح السجن ، والنيّ الآخر موسى عليهالسلام ، وقد بنى على أثره مسجد هناك يعرف بمسجد موسى.
أخبرنا أبو الحسن عليّ بن إبراهيم الشرفيّ بالشرف قال : حدّثنا أبو محمد عبد الله بن الورد ، وكان قد هلكت أخته ، وورث منها مورثا وكنا نسمع عليه دائما ، وكان لسجن يوسف وقت يمضي الناس إليه يتفرّجون ، فقال لنا يوما : يا أصحابنا هذا أوان السجن ، ونريد أن نذهب إليه ، وأخرج عشرة دنانير ، فناولها لأصحابه وقال لهم : ما اشتهيتموه ، فاشتروه ، فمضى أصحاب الحديث ، واشتروا ما أرادوا وعدّينا يوم أحد الجيزة كلنا ، وبتنا في مسجد همدان ، فلما كان الصباح مشينا حتى جئنا إلى مسجد موسى ، وهو الذي في السهل ، ومنه يطلع إلى السجن ، وبينه وبين السجن تل عظيم من الرمل ، فقال الشيخ : من يحملني ويطلع بي إلى هذا السجن حتى أحدّثه بحديث لا أحدّثه لأحد بعده ، حتى تفارق روحي الدنيا.
قال الشرفيّ : فأخذت الشيخ ، وحملته حتى صرت في أعلاه ، فنزل وقال : معك ورقة؟ قلت : لا ، قال : أبصر لي بلاطة ، فأخذ فحمة وكتب : حدّثني يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن بكير ، عن زيد بن أسلم بن يسار ، عن ابن عباس قال : إنّ جبريل أتى إلى يوسف في هذا السجن في هذا البيت المظلم ، فقال له يوسف : من أنت الذي مذ دخلت السجن ما رأيت أحسن وجها منك؟ فقال له : أنا جبريل ، فبكى يوسف ، فقال : ما يبكيك يا نبيّ الله ، فقال : إيش يعمل جبريل في مقام المذنبين؟ فقال : أما علمت أنّ الله تعالى يطهر البقاع بالأنبياء ، والله لقد طهر الله بك السجن وما حوله ، فما أقام إلى آخر النهار ، حتى أخرج من السجن.
قال القضاعيّ : سقط بين يحيى وزيد رجل ، وقال الفقيه أبو محمد أحمد بن محمد بن سلامة الطحاويّ ، وذكر سجن يوسف لو سافر الرجل من العراق ليصلي فيه ، وينظر إليه لما عنفته في سفره.
وذكر المسبحيّ : في حوادث شهر ربيع الأوّل سنة خمس عشرة وأربعمائة ، أنّ العامّة والسوقة طافت بمصر بالطبول والبوقات يجمعون من التجار ، وأرباب الأسواق ما ينفقونه في مضيهم إلى سجن يوسف ، فقال لهم التجار : شغلنا بعدم الأقوات يمنعنا من هذا ، وكان قد اشتدّ الغلاء ، وأنهوا حالهم إلى الحضرة المطهرة ، يعني أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله أبا الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله ، فرسم لنائب الدولة أبي طاهر بن كافي متولي الشرطة