والشداخات ، فأقام عليها أياما كثيرة ، فلم يمكنه الوصول إليها وغضب على الكاهن ، فقتله من أجل أنّ جماعة من أصحابه هلكوا ، فاجتمع أهل النواحي ، وقتلوا من أصحابه الذين بالمراكب خلقا ، وأحرقوا بعض المراكب ، وقام أهل مصر بسحرهم وتهاويلهم فأتت رياح أغرقت أكثر مراكبه حتى نجا بنفسه ، وقد خرج فعاد الناس إلى منازلهم وقراهم ، ورجع الملك صا إلى مدينة منف ، وأقام بها ، وتجهز لغزو بلدان الروم ، وبعث إليها وخرّب الجزائر فهابته الملوك ، وتتبع الكهنة فقتل منهم خلقا كثيرا ، وأقام ملكا سبعا وستين سنة ، ومات وعمره مائة وسبعون سنة ، ودفن بمنف في وسطها تحت الأرض ، ومعه الأموال والجواهر والتماثيل والطلسمات ، كما فعل آباؤه منها : أربعة آلاف مثقال ذهبا على صور حيوانات برّية وبحرية ، وتمثال عقاب من حجر أخضر ، وتمثال تنين من ذهب ، وزبروا عليها اسمه ، وغلبته الملوك وسيرته ، وعهد إلى ابنه تدراس.
قال : ولما جلست جورياق ابنة طوطيس ، أوّل فراعنة مصر ، وهو فرعون إبراهيم الخليلعليهالسلام على سرير الملك بعد قتلها لأبيها ، وعدت الناس بالإحسان ، وأخذت في جمع الأموال ، فاجتمع لها ما لم يجتمع لملك ، وقدّمت الكهنة وأهل الحكمة ، ورؤساء السحرة ، ورفعت أقدارهم ، وأمرت بتجديد الهياكل وصار من لم يرضها إلى مدينة أتريب ، وملكوا عليها رجلا من ولد أتريب يقال له : إيداخس ، فعقد على رأسه تاجا ، واجتمع إليه جماعة ، فأنفذت إليه جيشا فهزموه ، وقتلوا أكثر أصحابه فهرب إلى الشام ، وبها الكنعانيون فاستغاث بملكهم ، فجهزه بجيش عظيم ففتحت جورياق الخزائن وفرّقت الأموال وقوّت السحر ، فعملوا أعمالهم وتقدّم إيداخس بجيوش الكنعانيين ، وعليها قائد منهم يقال له : جيرون.
فلما نزلوا أرض مصر بعثت ظئرا لها من عقلاء النساء ، إلى القائد سرّا عن إيداخس تعرّفه رغبتها في تزوّجه ، وأنها لا تختار أحدا من أهل بيتها ، وأنه إن قتل إيداخس تزوّجت به وسلمته ملك مصر ، ففرح بذلك ، وسمّ إيداخس بسمّ أنفذته إليه فقتله ، وبعثت إليه بعد قتل إيداخس أنه لا يجوز أن أتزوّجك حتى يظهر قومك في بلدي ، وتبني لي مدينة عجيبة ، وكان افتخارهم حينئذ بالبنيان وإقامة الأعلام ، وعمل العجائب ، وقالت : انتقل من موضعك إلى غربيّ بلدي فثم آثار لنا كثيرة ، فاقتف تلك الأعمال وابن عليها ، ففعل ، وبنى مدينة في صحراء الغرب ، يقال لها : قيدومة ، وأجرى إليها من النيل نهرا وغرس حولها غروسا كثيرة ، وأقام بها منارا عاليا فوقه منظر مصفح بالذهب والفضة والزجاج والرخام ، وهي تمدّه بالأموال وتكاتب صاحبه عنه وتهاديه ، وهو لا يعلم.
فلما فرغ منها قالت له : إنّ لنا مدينة أخرى حصينة كانت لأوائلنا ، وقد خرّبت منها أمكنة ، وتشعث حصنها ، فامض إليها واعمل في إصلاحها حتى أنتقل أنا إلى هذه المدينة