يفترون عن عملها ليلا ولا نهارا ، حتى اجتمع عنده مال عظيم وجوهر كثير ، وهو الذي بنى مدينة عين شمس ، وقسم خراج مصر أرباعا ، جعل الربع للملك ، والربع للجند ، والربع ينفق في مصالح الأرض ، والربع الرابع يدفن لحادثة تحدث ، وهو الذي قسم أرض مصر على مائة وثلاثين كورة ، وأقام ملكا إحدى وتسعين سنة ومات.
فملك بعده ابنه عديم بن منقاوش : وكان جبارا لا يطاق ، وفي أيامه كان نزول الملكين اللذين يعلمان الناس السحر ، والقبط تزعم أنهما نزلا بأرض مصر ، ثم نقلا إلى بابل.
ثم ملك بعده أخوه مناوش بن منقاوش ، وكان عالما كاهنا فاضلا ، بنى مواضع كثيرة في الجبال والصحارى ، وكنز فيها كنوزا عظيمة ، وأقام عليها أعلاما ، وبنى في صحراء الغرب مدينة ، وأقام لها منارا وكنز حولها كنوزا عظيمة ، وجعل فيها شجرة تطلع كل لون من الفاكهة ، وهو أوّل من عبد البقر بمصر ، وكان يطلب الحكمة ، ويستخرج كتبها ، وكذا كان كل من ملك منهم يجتهد في أن يعمل له غريبة من الأعمال لم تعمل لمن كان قبله ، وتثبت في كتبهم وتزبر على الحجارة.
ولما مات ملك بعده ابنه هرميس : وكان قليل الحكمة ، فلم يعمل شيئا مما عمله آباؤه ، ومات وقد أقام إحدى عشرة سنة.
فملك بعده أشمون بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح : وكان حيزه من أشمون إلى منف في الغرب ، وحيزه في الشرق إلى حدّ البحر الملح مما يحاذي برقة ، وهو آخر حدّ مصر ، ومن بلاد الصعيد إلى حدود أخميم ، وكانت منزله بمدينة الأشمونين وكان طولها اثني عشر ميلا في مثلها ، وبنى في شرقيّ النيل مدينة أنصنا ، وبنى بها قصرا عظيما ، واتخذ بها أبنية وملاعب وعجائب كثيرة ، وبنى مدينة طهراطيس ، وهو أوّل من لعب بالكرة والصولجان.
ويقال : إنه بنى مدنا كثيرة عمل فيها عجائب منها : مدينة في سفح الجبل لها أربعة أبواب من كل ناحية باب ، فعلى الباب الشرقيّ : صورة عقاب ، وعلى الباب الغربيّ : صورة ثور ، وعلى الباب الشماليّ : صورة أسد ، وعلى الباب الجنوبيّ : صورة كلب ؛ وفي هذه الصور روحانيات تنطق فإذا قدم غريب لا يقدر على الدخول إليها إلا بإذن الموكلين بها ، ودفن تحت كل شكل من هذه الأشكال الأربعة صنفا من الكنوز ، وغرس في هذه المدينة شجرة مولدة تثمر كل لون من الفاكهة ، ونصب منارا طوله ثمانون ذراعا فوقه قبة تتلوّن كل يوم لونا حتى تمضي سبعة أيام ثم تعود إلى اللون الأوّل ، فكانت تلك المدينة تكسى من تلك الألوان شعاعا مثل لونها ، وأجرى حول المنار ماء شقه من النيل ، وجعل فيه سمكا من كل لون وأقام حول المدينة طلسمات في هيئة أناس رؤوسها كالقردة ، وأسكن هذه المدينة السحرة ، فعرفت بمدينة السحرة ، وكانوا يعملون فيها أصناف السحر.