وقيل : إنه انتقل إلى أرض مصر بأسباب ، وإنه ملكها وكان له أولاد منهم : طا ، وصا ، وأشمن ، وأتريب ، وقفط ، وإنه كان حكيم زمانه ، وإنه لما توفي دفن في البناء الذي يعرف بمدينة مصر : بأبي هرمس ، ويعرفه العامة بالهرمين ، فإن أحدهما قبره والآخر قبر زوجته ، وقيل : قبر ابنه الذي خلفه بعد موته ، وهذه البنية يعني الأهرام : طولها بالذراع الهاشمي ، أربعمائة ذراع وثمانون ذراعا على مساحة أربعمائة وثمانين ذراعا ، ثم ينخرط البناء فإذا حصل الإنسان في رأسه كان مقدار سطحه أربعين ذراعا ، هذا بالهندسة وفي وسط هذا السطح ، قبة لطيفة في وسطها شبيهة بالمقبرة ، وعند رأس ذلك القبر صخرتان في نهاية النظافة والحسن وكثرة التلوّن ، وعلى كل واحدة منهما شخصان من حجارة ، صورة ذكر وأنثى ، وقد تلاقيا بوجهيهما ، وبيد الذكر لوح من حجارة فيه كتابة ، وبيد الأنثى مرآة ، والرف ذهّب نقشه نقاش ، وبين الصخرتين برنية من حجارة على رأسها غطاء ذهب ، فلما قلع فإذا فيها شبيه بالنار بغير رائحة قد يبس ، وفيها حقة ذهب فنزع رأسها ، فإذا فيها دم عبيط ساعة قرعه الهواء جمد ، كما يجمد الدم وجف ، وعلى القبور أغطية حجارة ، فلما قلعت إذا رجل نائم على قفاه على نهاية الصحة والجفاف بين الخلقة ظاهر الشعور ، وإلى جنبه امرأة على هيئته ، قال : وذلك السطح منقر نحو قامة كما يدور مثل المسمار ذات آزاج من حجارة فيها صور وتماثيل مطروحة وقائمة ، وغير ذلك من الآلة التي لا تعرف أشكالها.
وقال العلامة موفق الدين عبد اللطيف بن أبي العز يوسف بن أبي البركات محمد بن عليّ بن سعد البغدادي المعروف بابن المطحن في سيرته ، وجاء رجل جاهل عجميّ ، فخيّل إلى الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف أن الهرم الصغير تحته مطلب ، فأخرج إليه الحجارين وأكثر العسكر وأخذوا في هدمه ، وأقاموا على ذلك شهورا ، ثم تركوه عن عجز وخسران مبين في المال والعقل ، ومن يرى حجارة الهرم يقول : إنه قد استوصل الهرم ، ومن يرى الهرم لا يجد به إلا تشعيثا يسيرا ، وقد أشرفت على الحجارين فقلت لمقدّمهم : هل تقدرون على إعادته؟ فقال : لو بذل لنا السلطان عن كل حجر ألف دينار لم يمكنا ذلك.
وقال أبو الحسن المسعودي في مروج الذهب : وأما الأهرام فطولها عظيم وبنيانها عجيب عليها أنواع من الكتابات بأقلام الأمم السالفة ، والممالك الدائرة لا يدرى ما تلك الكتابة ولا المراد بها ، وقد قال من عني بتقدير ذرعها : أن مقدار ارتفاع الهرم الكبير ذهابا في الجوّ نحو أربعمائة ذراع أو أكثر ، وكلما صعد دق ذلك ، والعرض نحو ما وصفنا ، وعليها من الرسوم علوم وخواص وسحر وأسرار الطبيعة ، وإن من تلك الكتابة مكتوبا ، إنا بنيناها فمن يدّعي موازاتنا في الملك ، وبلوغ القدرة وانتهاء أمر السلطان فليهدمها وليزع رسمها فإن الهدم أيسر من البناء والتفريق أسهل من التأليف.
وقد ذكر أن بعض ملوك الإسلام شرع يهدم بعضها فإذا خراج مصر لا يفي بقلعها ،