وأرضها ، وولّى مكانه محمّد بن سليمان بن علي ، وأوفده إلى مدينة السلام ، فدعا به ، فدفع إليه عبد الله بن علي سرا في جوف الليل ثم قال له : يا عيسى ، إنّ هذا أراد أن يزيل النعمة عني وعنك ، وأنت وليّ عهدي (١) بعد المهدي ، والخلافة صائرة إليك ، فخذه واضرب عنقه ، وإياك أن تخور (٢) أو تضعف ، فتنقض عليّ أمري الذي ادعيت ودبّرت ، ثم مضى لوجهه فكتب إليه من طريقه كتاب يسأله : ما فعل في الأمر الذي أوعز إليه؟ ، فكتب إليه ، قد أنفذت ما أمرته ، فلم يشك أبو (٣) جعفر أنه قد قتل عبد الله بن علي ، وكان عيسى حين دفعه إليه سيره (٤) ودعا كاتبه يونس بن قردة (٥) فقال : إنّ هذا الرجل دفع إليّ عمه وأمرني فيه بكذا وكذا ، فقال أراد أن يقتله ويقتلك وأمرك بقتله سرا ثم يدّعيه عليك علانية ، ثم يقيدك به ، قال : فما الرأي؟ قال : أن تستره في منزلك فلا تطلع على ذلك أحدا (٦) ، فإن طلبه منك علانية دفعته إليه علانية ولا تدفعه إليه سرا أبدا ، فإنّه إن كان أمره المكر فإن أمره سيظهر ، ففعل ذلك عيسى.
فقدم المنصور ودسّ على عمومته من يحرّضهم على مسألته هبة عبد الله بن علي لهم ، ويطمعهم في أنه سيفعل فجاءوا إليه فكلّموه ورققوه (٧) وذكروا له الرحم وأظهروا له رقة فقال : نعم عليّ بعيسى بن موسى ، فأتاه فقال : يا عيسى ، قد علمت أنّي دفعت إليك عمّي وعمّك عبد الله بن علي قبل خروجي إلى الحج وأمرتك أن يكون في منزلك قال : قد فعلت ذلك ، قال : وقد كلّمني عمومتك فيه ورأيت الصفح عنه وخلّيت سبيله فائتنا به ، قال : يا أمير المؤمنين ألم تأمرني بقتله ، فقال : كذبت ، ما أمرتك بقتله ، ثم قال لعمومته : إنّ هذا قد أقرّ لكم بقتل أخيكم وادّعى أنّي أمرته بذلك ، فقد كذب ، قالوا : فادفعه إلينا نقيده قال : سآتيكم به ، وأخرجوه إلى الرحبة ، واجتمع الناس واشتهر الأمر ، فقام أحدهم فشهر سيفه وتقدّم إلى عيسى ليضربه فقال له عيسى : أقاتلني أنت؟ قال : أي والله ، قال : لا تعجلوني ، ردّوني إلى أمير المؤمنين ، فردّوه إليه فقال : إنّما أردت بقتله أن يقتلوني ، هذا عمك حيّ سوى أن أمرتني بدفعه إليك دفعته قال : ائتنا به ، فأتاه به ،
__________________
(١) عن الطبري وبالأصل : عهد.
(٢) عن الطبري وبالأصل : تجور.
(٣) عن الطبري وبالأصل : أبا.
(٤) الطبري : ستره ، وبهامشه عن نسخة : سيره.
(٥) كذا بالأصل ، وفي الطبري : «يونس بن فروة» وفي الوزراء للجهشياري ص ١٣٠ يونس بن أبي فروة.
(٦) بالأصل : «أحد» والصواب عن الطبري.
(٧) بالأصل : وريقوه ، والمثبت عن الطبري.