«متى كان هذا مسيرك مني؟» قلت : يا رسول الله هذا مسيري منك منذ الليلة ، قال : «حفظك الله بما حفظت به نبيّه» ثم قال : «أترانا نخفى على الناس ، هل ترى أحدا؟» قلت : هذا راكب ، وهذا آخر ، فاجتمعنا فكنا سبعة ، فمال عن الطريق ثم وضع رأسه وقال : «احفظوا علينا صلاتنا» فكان أول من انتبه ، والشمس في ظهره ، فقمنا فزعين ، فقال : اركبوا ، فركبنا ، فجعل بعضنا يهمس بعضا : ما ضيعنا تفريطنا في صلاتنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فما هذا الذي تهمسون (١) دوني؟» قلنا : يا رسول الله تفريطنا في صلاتنا ، فقال : «أما لكم فيّ أسوة ، التفريط ، ليس في النوم ، التفريط من لم يصلّ الصّلاة حتى يجيء وقت الأخرى ، فإذا فعل ذلك فليصلّها إذا انتبه لها ، ثم ليصلّها من الغد لوقتها» ، ثم نزلنا فدعا بميضأة كانت عندي ، فتوضّأ وضوءا دون وضوئه ، ثم صلّى ركعتين قبل الفجر ، ثم صلّى الفجر كما كان يصلي ثم قال : «اركبوا» ، فركبنا ، فانتهينا إلى الناس حين تعالى النهار ـ أو قال : حين حميت الشمس ، شك سليمان ـ وهم يقولون : هلكنا عطشا ، قال : «لا هلك عليكم» ، ثم نزل ثم قال : «اطلقا لي غمري» (٢) ، فأطلق له ، ثم دعا بالميضأة التي كانت عندي فجعل يصبّ عليّ ويسقيهم ، فلما رأوا ما في الميضأة تكابّوا فقال : «أحسنوا الملأ (٣) فكلّكم سيروى» ، فجعل يصبّ ويسقيهم حتى ما من القوم أحد إلّا شرب ، غيري وغيره ، فصبّ عليّ ثم قال : «اشرب يا با قتادة» ، فقلت : يا رسول الله أشرب قبل أن تشرب؟ قال : «إنّ ساقي القوم آخرهم» ، فشربت وشرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فقال عبد الله بن رباح : إنّي لفي مسجد الجامع أحدّث بهذا الحديث إذ قال عمران بن الحصين : انظر أيها الفتى كيف تحدّث ، فإنّي كنت أحد الركب تلك الليلة ، قلت له : أبا نجيد (٤) فحدّث فأنت أعلم ، قال : من أنت؟ قال : قلت : من الأنصار ، قال : فحدّث القوم فأنت أعلم بحديثكم ، فقال : لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه (٥) كما حفظته.
__________________
(١) بالأصل وم : تهمسوني.
(٢) الغمر بضم العين وفتح الميم : القدح الصغير (اللسان).
(٣) الملأ : الخلق والعشرة (النهاية : ملأ).
(٤) مهملة بالأصل وم بدون نقط ، والصواب ما أثبت ، وأبو نجيد كنية عمران بن حصين ، انظر ترجمته في تهذيب الكمال ١٤ / ٣٨١ وضبطت في تقريب التهذيب ٢ / ٨٢ أبو نجيد بنون وجيم مصغرا.
(٥) عن م ، وبالأصل : حفظ.