ضربة أبدى سحرة وهو يقول : خذها وأنا ابن الجواري ، فلما كان يوم الثلاثاء قام بين الركن والمقام فقاتلهم أشد القتال ، وجعل الحجّاج يصيح بأصحابه : يا أهل الشام ، يا أهل الشام ، الله الله في طاعة إمامكم ، فيشدّون الشدّة الواحدة جميعا حتى يقال : قد اشتملوا عليه ، فيشد عليهم حتى يفرجهم ، ويبلغ بهم باب بني شيبة ، ثم يكرّ ويكرّون عليه ، وليس معه أعوان ، فعل ذلك مرارا حتى جاءه حجر عائر (١) من ورائه ، فأصابه فوقع في قفاه فوقذه (٢) ، فارتعش ساعة ثم وقع لوجهه ، ثم انتهض فلم يقدر على القيام ، وابتدره الناس ، وشدّ عليه رجل من أهل الشام ، وقد ارتعش ابن الزبير ، فهو متكئ على مرفقه الأيسر ، فضرب الرّجل بالسيف وجعل يضربه ، وما يقدر ينهض ، حتى كثروه ، فذفّفوا (٣) عليه ، ولقد كان يقاتل وإنه لمطروح يخذم بالسيف كلّ من دنا منه ، فصاحت امرأة من الدار : وأمير المؤمنيناه ، فابتدره الناس ، فكثروه ، فقتلوه ، رحمهالله ورضوانه عليه.
قال : وأنا محمّد بن عمر ، نا رباح (٤) بن مسلم ، عن أبيه قال : سمعت ابن الزبير يوم الثلاثاء وهو يحمل على أهل حمص وهم كانوا أشد الأجناد ، فأخرجهم من المسجد ولقد رأيتهم وحضّهم رجل منهم فأقبلوا جميعا قد شرعوا الرماح ، فأقبل إليهم ابن الزبير وهو يرتجز :
لو كان قرني واحدا كفيته
ثم حمل عليهم فانفضّوا أوزاعا.
قال : وأنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الرّحمن بن أبي الزّناد وعبد الله بن مصعب ، عن أبي المنذر هشام بن عروة.
قال : ونا نافع بن ثابت ، عن نافع مولى بني أسد ، قالا (٥) :
لما كان يوم الثلاثاء أخذ الحجّاج بالأبواب على ابن الزبير ، وبات ابن الزبير يصلّي عامة الليل في المسجد الحرام ، ثم احتبى بحمائل سيفه ، فأغفى ، ثم انتبه بالفجر ،
__________________
(١) حجر عائر : أي لا يدري من رماه (انظر اللسان : عور).
(٢) وقذه : ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت (اللسان : وقذ).
(٣) أي : أجهزوا عليه.
(٤) كذا بالأصل وم.
(٥) الخبر في تاريخ الطبري ٦ / ١٩١.