أخبرتني جدتي ريطة بنت عبد الله الرياحية ، قالت :
كنت عند أسماء إذ جاء ابنها عبد الله ، فقال : إنّ هذا الرجل قد نزل بنا ، وهو رجل من ثقيف يسمى الحجّاج في أربعين ألفا من أهل الشام ، وقد نالنا نبلهم ونشابهم ، وقد أرسل إليّ يخيّرني (١) بين ثلاث : بين أن أهرب في الأرض ، فأذهب حيث شئت ، وبين أن أضع يدي في يده فيبعث بي إلى الشام موقرا حديدا ، وبين أن أقاتل حتى أقتل ، قالت : أي بني عش كريما ، ومت كريما ، فإنّي سمعت النبي (٢) صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن من ثقيف مبيرا وكذّابا» ، قالت : فذهب ، فاستند إلى الكعبة حتى قتل [٥٩١٥].
قال : وأنا محمّد بن سعد ، أنا محمّد بن عمر ، نا عبد الله بن مصعب ، عن هشام بن عروة ، قال : جاء رجل إلى ابن الزبير يوم الثلاثاء فحذّره الكمين ، فقال ابن الزبير :
إن يأخذوا سلبي غصبا وإن كثروا |
|
ما لم أكن نائما أو لم يغرّوني |
قال : وجاء عمارة بن عمرو بن حزم ، فقال : لو ركبت رواحلك فنزلت برمل الحرل (٣) ، فقال ابن الزبير : فما فعلت القتلى بالحرم ، والله لئن كنت أوردتهم ثم فررت عنهم لبئس الشيخ أنا في الإسلام.
قال : وأنا محمّد بن سعد ، حدّثني مصعب بن ثابت ، عن نافع مولى بني أسد قال : لما كان ليلة الثلاثاء قال الحجاج لأصحابه : والله إني لأخاف أن يهرب ابن الزبير ، فإن هرب فما عذرنا عند خليفتنا ، فبلغ ابن الزبير قوله ، فتضاحك وقال : إنّه والله ظن بي ظنه بنفسه ، إنه فرّار في المواطن ، وأبوه قبله.
قال : وأنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الله بن مصعب ، عن هشام بن عروة ، قال : لما أصبحوا يوم الثلاثاء غدا ابن الزبير ومعه نحو من ثلاثمائة ، وقال : استأخروا عني لا يقولون أخذ حمى ظهره ، فتنحى عنه الناس ، ثم حمل على باب من تلك الأبواب فهزمهم حتى خرجوا إلى الأبطح وهو يرتجز :
__________________
(١) تقرأ بالأصل : «يخبرني» وفي م : «يخير من بين».
(٢) في م : رسول الله.
(٣) كذا بالأصل وم ، ولم أعثر على هذا الموضع ، وفي مختصر ابن منظور : «برمل الحرك» قال عنه ياقوت إنه موضع ، ولم يحدده.