هذه الحال توهّم أنّي مكره ، فلم يقع ذلك منه بحيث أريد ، ولكني أصبح ويجتمع الناس ويكون ذلك علانية إن شاء الله ، فنظر إليّ مروان ، فقال مروان : هو الذي قلت لك ، إن يخرج (١) لم تره ، فأحببت أن ألقي بيني وبين مروان شرا يتشاغل به ، وأقبلت على مروان فقلت له : وما قلت يا ابن الزرقاء؟ فقال لي ، وقلت حتى تواثبنا ، فتناصبت أنا وهو ، وقام الوليد يحجز بيننا ، فقال له مروان : أتحجز بيننا وتدع أن تأمر أعوانك ، فقال له الوليد : قد أرى ما تريد ، ولا أتولى ذلك والله منه أبدا ، اذهب يا ابن الزبير حيث شئت ، فأخذت بيد الحسين فخرجنا من الباب جميعا حتى صرنا إلى المسجد ، وابن الزبير يقول :
لا تحسبني يا مسافر شحمة |
|
تعجّلها من جانب القدر جائع |
فلما دخل المسجد افترق هو والحسين ، وعمد كلّ رجل منهما إلى مصلاه ، فقام يصلّي فيه ، وجعلت الرسل تختلف إليهما ، ويسمعون وقعهم في الحصا حتى هدأ عنهما الحس ، ثم انصرفا إلى منازلهما ، فأتى ابن الزبير رواحله فقعد عليها ، وخرج من أدبار داره ، فوافاه الحسين للموعد ، فخرجا جميعا من ليلتهم وسلكوا طريق الفرع حتى مرّوا بالجثجاثة (٢) وبها جعفر بن الزبير قد ازدرعها (٣) وغمز (٤) عليهم بعير من إبلهم ، فانتهوا إلى جعفر ، فلما رآهم قال : أمات معاوية؟ قال له ابن الزبير : نعم ، انطلق معنا وأعطنا (٥) أحد جمليك ، وكان ينضح على جملين له ، فقال جعفر متمثلا :
إخوتا لا تبعدوا (٦) أبدا |
|
وبلى والله قد بعدوا |
فقال ابن الزبير ، وتطير منها ـ بفيك التراب ، فخرجوا جميعا حتى قدموا مكة ، فأما الحسين فخرج من مكة يوم التروية.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد ، أنا محمّد بن عمر ،
__________________
(١) الحرف الأول في اللفظة مهمل بالأصل وم.
(٢) الجثجاثة : قرية على بعد ستة عشر ميلا من المدينة (انظر معجم البلدان).
(٣) ازدرع القوم : اتخذوا زرعا لأنفسهم ، أو احترثوا (اللسان).
(٤) كذا بالأصل وم.
(٥) في م : وأعطينا.
(٦) بالأصل : «يبعدوا» واللفظة غير واضحة بالتصوير في م.