جلس عليها ثم توجّه قبل الشام ، وصيح في الأثقال والناس ، وتبع معاوية من تبعه ويدركه ابن الزبير في أول من أدركه ، فسار إلى جنبه ليلا وهو نائم ففزع له فقال : من هذا؟ فقال : ابن الزبير ، أمّا إني لو شئت أن أقتلك لقتلتك ، قال : لست هناك ، لست من قتال الملوك ، إنما يصيد (١) كل طائر قدره ، فقال ابن الزبير : أمّا والله لقد سرت تحت لواء أبي إلى ابن أبي طالب وهو من تعلم ، فقال : لا جرم والله ، لقد قتلكم بشماله ، فقال : أما أن ذلك في نصرة عثمان ثم لم نجز بها قال : والله ما كان بك نصرة عثمان ، ولو لا بغض علي بن أبي طالب لجررت برجلي عثمان (٢) مع الضّبع ، قال : لقد فعلتها إنّا قد أعطيناك عهدا فنحن وافون لك به ما عشت ، فإذا متّ فسيعلم من بعدك ، فقال : والله ما أخافك إلّا على نفسك ، ولكأني بك قد خبطت في الحبالة ، واستحكمت عليك الأنشوطة (٣) ، فذكرتني وأنت فيها ، فقلت : ليت أبا عبد الرّحمن لها ، ليتني والله لها ، أما والله لحلفتك (٤) رويدا ولأطلقنك سريعا ، ولبئس الولي أنت تلك الساعة.
أخبرنا أبو بكر اللفتواني ، أنا أبو عمرو بن مندة ، أنا الحسن بن محمّد ، أنا أحمد بن محمّد ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، قال : حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن المفضّل الحرّاني ، نا أحمد بن أبان القرشي ، نا سفيان بن عيينة ، قال :
بينا معاوية يسير في طريق مكة إذ نام على راحلته فلحقه ابن الزبير ، فقال : أتنام وأنا معك ، أما تخاف أن أقتلك ، قال : لست من قتال الملوك ، إنّما يصيد (٥) كل طير قدره ، إنّما أنت يا ابن الزبير ثعلب رواغ تدخل من جحر وتخرج من جحر ، والله لكأني بك قد ربقت (٦) كما يربق الجدي ، فيا ليتني لك حيا فأخلصك وبئس المخلّص كنت.
أنبأنا أبو الغنائم محمّد بن علي ، ثم حدّثنا أبو الفضل محمّد بن ناصر ، أنا أحمد بن الحسن ، والمبارك بن عبد الجبار ، ومحمّد بن علي ـ واللفظ له ـ قالوا أنا أبو
__________________
(١) بالأصل وم : «تصيد» والمثبت عن مختصر ابن منظور ١٢ / ١٨٨.
(٢) من قوله : ثم لم نجز .. إلى هنا سقط من م.
(٣) بالأصل وم : «الأشرطة» ولعل ما أثبتناه عن مختصر ابن منظور ١٢ / ١٨٩ أشبه بالصواب.
(٤) كذا بالأصل وم.
(٥) بالأصل وم : تصيد.
(٦) ربقه يربقه جعل رأسه في الربقة ، وربقه في الأمر : أوقعه والربق : حبل فيه عدة عري (القاموس المحيط).