فقال : أعفني ، قال : ـ وقال الخالع : فقال : ـ عزمت عليك لتقولنّ ، قال : نعم ، أمك هند ، وأمّه أسماء بنت أبي بكر ، وأسماء خير من هند ، وأبوك أبو سفيان ، وأبوه الزبير ، ومعاذ الله أن يكون أبو سفيان مثل الزبير ، وأمّا الدنيا فلك ، وأمّا الآخرة فله إن شاء الله ، انتهت رواية الخالع.
قال القاضي :
قول الزبير لمعاوية : آدني على الوليد معناه أعدني ، قد (١) علم بعضهم أن فلانا استأدى على فلان أفصح من أن يستعدي ، وهما عندي سواء ، وقد روي أن رجلا قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : أعدني على رجل من أصحابك.
وقوله يقصر عنها الأنوق : يعني الرّخم (٢) ، وهو يرتاد لبيضه شوامخ الجبال ، وحيث يبعد متناوله ، ويخفى مكانه ، فلا يكاد إنسان يجده أو يصل إليه ، والعرب تضرب المثل فيمن طلب ما يعزّ وجوده ويتعذر إدراكه ، ونيله فيقولون : إنه يطلب بيض الأنوق ، وقد روي لنا أن رجلا سأل معاوية حاجة معتاصة مستقلة (٣) ، فردّه عنها ، فسأله حاجة هي أيسر منها إلّا أن فيها استصعابا ، فقال معاوية :
طلب الأبلق العقوق فلما |
|
لم ينله أراد بيض الأنوق |
والأبلق الفرس ، والعقوق : ذات الحمل ، وذلك في الذكر مستحيل ، وبيض الأنوق ما فسرنا ، فلما طلب هذا (٤) الرجل أمرا مستبعدا لا سبيل إليه ، ثم طلب ما ينال صعوبته لمّا منع ما لا مطمع له فيه ، ضرب معاوية هذا البيت مثلا له ، وهذا من المثال القريب ، والتشبيه المصيب ، وأمّا العيّوق : فنجم عال معروف.
وقوله : لست بالفه فمعنى الفهاهة في الكلام ما يأتي على غير استقامة ، ويقال : أتى فلان في قوله بفهة أي بقول ساقط في لفظه ، أو معناه ، وأمّا الكهام فالكليل ، يقال : سيف كهام إذا كان نابيا فليلا (٥) ، وأما الهلباجة فالأحمق ، وأمّا النثر (٦) : فذو الرأي
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي الجليس الصالح : وزعم بعضهم.
(٢) عن الجليس الصالح وبالأصل : الرحم.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي الجليس الصالح : «مستثقلة» وهو أشبه بالصواب.
(٤) بالأصل وم : «فلما طلب الأنوق الرجل أمرا» صوبنا العبارة عن الجليس الصالح.
(٥) في الجليس الصالح : كليلا.
(٦) كذا بالأصل وم هنا ، وقد وردت محرفة في متن الخبر في الأصل : النغر وفي م : النفر ، وفي الجليس الصالح : النثر. وهو ما يشرحه القاضي هنا.