ومدينة (سيق). حتى الآن ، ومنذ أن غادرنا بلدة (تنوف) ، لم نصادف أي بشر. أما في هذا المكان فقد احتشد السكان بأعداد غفيرة للترحيب بنا ونحن نمر بهم. طلب البعض من الأهالي البقاء تلك الليلة في القرية. إلا أنني كنت تواقا إلى مواصلة السير صوب (شيرازي) الذي وصف بأنه أكثر الوديان كثافة ووفرة بالنبات. ومع هذا ، فإن الاستقبال الذي حظينا به هناك جعلني فيما بعد أندم لأنني لم أستفد من العرض السخي الذي قدمه القرويون ، إذ لا يمكن تصور وجود منطقة فريدة ببراريها ورومانسيتها كالمنطقة التي تمتد أمامنا هنا. هبطنا الجانب المنحدر لأحد الوهاد الضيقة عن طريق سلم. وكان عمق الوهاد يبلغ أربعمائة قدم ومررنا في طريقنا بالعديد من المنازل المتربعة فوق حدبات الأرض أو فوق صخور شديدة الانحدار ، وكانت الجدران مبنية في بعض المناطق على نحو تبدو معه كأنها استمرار للجرف. لقد شيد المواطنون هذه البيوت الصغيرة المحكمة البناء على ما يبدو الواحد فوق الآخر بحيث أن منظرها من اسفل الوهاد معلقة في الهواء يقدم للناظر أجمل صورة ممكنة. ووجدناها هنا وسط الأنواع المختلفة من الأشجار والفواكه الرمان والليمون الحامض واللوز والجوز وجوز الطيب وأشجار القهوة والكروم. وفي فصل الصيف ، لا بد أن تعطي هذه الأشجار والفواكه عبقا طيبا وتبدو منظرا رائعا مؤثرا يغمره الاخضرار. لكن الوقت الآن شتاء ، وباتت مجردة من أوراقها ومظهرها لا يوحي بالبهجة. كان الماء يتدفق من أماكن كثيرة ، من أعالي التلال فتتلقفه الخزانات الصغيرة الموجودة إلى أسفل ، ومنها يتم توزيعه على جميع أرجاء المنطقة. على أية حال ، الماء شديد البرودة ، حتى أنني رغم شدة ظمئي ، لطول المسافة التي قطعناها ، لم نتمكن من شرب أكثر من جرعة قليلة. وفي المنطقة الضيقة لهذا الوهاد وشدة انحدار جوانبه ، فإن الأجزاء السفلى منه فقط هي التي تتلقى دفء أشعة الشمس ولو لفترة قصيرة في أثناء النهار. وحتى في الوقت الذي وصلنا فيه المكان ، وجدناه شديد البرودة حتى أننا بعد توقف قصير أحسسنا بالسعادة ونحن نواصل الرحلة. بدأنا صعودنا من الجهة المقابلة من الوادي عن طريق سلالم أيضا واجتزنا أرضا وعرة غير مستوية وبعدها عبرنا طريقا مستويا ينمو عليه العليق والشوك. وفي الساعة الرابعة والنصف وصلنا مدينة صغيرة تدعى (هودن) ، حيث وجدنا النباتات منتشرة فوق السهول المستوية. كانت