وكان يكفي وجود الرطوبة في النباتات المتوفرة في كل مرحلة.
وعلى الرغم من الصبر وغير ذلك من الصفات المدهشة التي يتمتع بها الجمل ، إلا أنه قليل الذكاء ولا يبدو قادرا على إقامة صلة قوية بسيّده إلا إذا كانا قد ألفا السفر معا منذ أمد بعيد. وفي الرحلات الصحراوية الطويلة ، يبدو الجمل مدركا كل الإدراك بأن سلامته تكمن في البقاء قريبا من القافلة ، إذ لو تأخر إلى الخلف ، فإنه لن يتوقف عن بذل المحاولات الشاقة للحاق بها. ويصف أحد الرحالة واسمه (علي بك) (١) الجمل بأنه حيوان هادئ ومسالم. ويقول : «إن الجمال تأكل طعامها على نحو منتظم فلا تأكل إلا قليلا كل مرة ، وإذا ما ترك أحد الجمال رفاقه ، فإن رفيقه يظهر أمامه ليؤنبه برفق مما يجعله يشعر بالخطأ ويعود إلى بقية الجمال». لكنني أقول العكس وهو أن الجمال هي أكثر الحيوانات المشاكسة على وجه الأرض. فبعد انقضاء رحلة نهار شاقة ، وإنزال الحمل من على ظهر الجمال ، فإن الحادي يضطر باستمرار إلى الحيلولة دون الشجار فيما بينها. والتأنيب الرقيق ليس سوى عضات قاسية وتمزيق آذان بعضهم بعضا.
يقدر (فولني) (٢) خطوات جمال سوريا بثلاثة آلاف وستمائة ياردة في الساعة. أما القبطان (بيرنز) ، الذي كرس الكثير من الاهتمام لهذا الموضوع ، فقد وجد الشيء نفسه تقريبا في (تركستان). أما في (عمان) فقد تأكد لي أن المعدل العام للقوافل المسافرة أكبر بكثير ، واتبعت في ذلك الطريقة التالية : بوساطة ساعة جيدة لاحظت بدقة مرات عديدة بأن الوقت الذي تشغله في قطع مسافة بين منطقتين أحدهما في الشمال والأخرى في الجنوب ، بعد تثبيت خطوط العرض فإن النتيجة تتراوح بين ميلين جغرافيين ونصف إلى ميلين وثلاثة أرباع في الساعة. وهذا هو نفس ما توصل إليه (بركهاردت). إلا أن خطوة الجمل العماني الاعتيادية عند ما يركب البدوي على ظهره في رحلة صحراوية ، تكون خطوة سريعة وقوية وتصل إلى ستة أو ثمانية أميال في الساعة وتستمر الجمال في السير على هذا النحو ما بين
__________________
(*) علي بك العباسي رحالة أسباني اسمه دو منغو باديا إيليليخ أسم وجاء إلى مكة حاجا سنة ١٨٠٦ وسمي نفسه الحاج علي بك العباسي ونشر رحلاته في باريس عام ١٨١٤ وتوفي أثناء رحلة ثانية له إلى مكة في موضع يبعد نحو ١٢٠ ميلا عن دمشق وذلك عام ١٨١٨.
(**) Volney رحالة فرنسي (١٧٥٧ ـ ١٨٢٠) له كتاب «رحلة إلى سورية ومصر».