نشبت مجددا فيما بينهم. ولما كان الجميع يعرف بأن هذا ليس إلا مبررا لشن هجماتهم على جيرانهم المسالمين ، فقد رفض طلبهم. لكن قبل ذلك ببضعة أشهر ، قام مركب قراصنة يعود لقبيلة بني ياس بالاستيلاء على مركب هندي ونهبه في أثناء تقدمه إلى (بوشهر). لكن مركب القراصنة واجه بعد ذلك مركبا وحيد الصاري ، فانتظروا اقترابه منهم وأعدوا العدة للهجوم على ظهره دون أن يردهم رادع. لكن ما أن انطلقت على جوانبهم المهلهلة دفعة من الكرات والإطلاقات النارية حتى أدركوا قوة العدو الذي تحدوه. ولما كانوا على بعد ياردات قليلة من بعضهم بعضا ، فإن الكثيرين منهم لقوا مصرعهم. ونتيجة لذلك تم اقتياد قائد السفينة العربية إلى الهند وقدم إلى المحاكمة في المحكمة العليا وحكم عليه بالسجن أربع عشر عاما يقضيها في المنفى. لقد كان القسم الأول من هذه القضية مفهوما جيدا لدى العديد من القبائل على امتداد الساحل ، إذ لم يتكرر وقوع مثل ذلك الحادث. إلا أن العقوبة التي بدأ يسري تنفيذها أثارت حيرتهم كثيرا. وخلال رحلاتي جرى تحذيري مرارا وتكرارا بعدم الاقتراب من أراضي هذه القبيلة التي هددت بالانتقام وبأن تحرق بالزيت أول أوروبي يقع في قبضتهم.
وهنا كما في أجزاء أخرى من جزيرة العرب ، وجدت صعوبة شديدة في تحديد عدد السكان ، إذ لا يمكن الاعتماد إلا قليلا على شهادة زعماء القبائل الذين يرغبون دوما في تعزيز قوة قبيلتهم والحط من شأن بقية القبائل. وعدد المقيمين فعليا متذبذب بسبب مسعاهم في البحر وارتباطهم بصيد اللؤلؤ. أما عدد أكواخهم فلا يوفر دليلا أكثر مدعاة للثقة لأن هذه الأكواخ غالبا ما يهجرها سكانها وتبقى فارغة بعد أن تدمرها الرياح لأنها مشيدة من سعف النخيل دون عناء كبير. ولكن بسبب استفساراتي العديدة ، فإنني أميل إلى أن أحدد عدد السكان بحوالي عشرين ألف نسمة باستثناء النساء والأطفال. القبائل الرئيسية هنا هي : (القواسم) و (المناصير) و (بني ياس) و (Mahama) (١) ، وتعد القبيلة الأولى أقوى هذه القبائل ، إذ هي لا تملك معظم الموانئ الرئيسية على الساحل العربي فحسب ، بل استقروا على الساحل الفارسي أيضا حيث أصبحت لهم مدن كبيرة وقرى نامية. واسم القبيلة مأخوذ من اسم (ولي) الذي سكن في لسان من الأرض منخفض ، وسميت فيما بعد باسم (رأس الخيمة) تلك البقعة
__________________
(*) كذا ولا شك أنه تصحيف إذ لا توجد قبيلة بهذا الاسم في المنطقة.