فيه ، فبسط له البسط (١) ويطرح له عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيلياء ، فصلّى بها ، فأصبح ذات غداة وهو مهموم يقلّب طرفه إلى السماء ، فقالت له بطارقته : أيها الملك ، لقد أصبحت مهموما ، فقال : أجل ، فقالوا : وما ذلك؟ وقال : أرأيت في هذه الليلة أن ملك الختان (٢) ظاهر (٣) ، فقالوا : فو الله ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلّا يهود ، وهم تحت يدك وفي سلطانك ، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم فابعث في مملكتك كلّها ، فلا يبقى يهودي إلّا ضربت عنقه ، فتستريح من هذا الهمّ ، فإنهم في ذلك من رأيهم يدبرونه إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد دفع إليهم ، فقال : أيها الملك هذا ـ وقال أبو العباس : إن هذا ـ رجل من العرب من أهل الشاء (٤) والإبل يحدّثك عن حدث كان ببلاده ، فاسأله عنه (٥) ، فقال : كان رجل من العرب من قريش خرج يزعم أنه نبي ، وقد اتّبعه أقوام وخالفه آخرون ، وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن ، فخرجت من بلادي وهم على ذلك ، فلما خبره الخبر ـ وقال أبو العباس : أخبره الخبر ـ قال : جرّدوه ، فإذا هو مختون (٦) ، فقال : هذا والله الذي أريت ، لا ما تقولون ، أعطه ثوبه انطلق لشأنك ، ثم دعا صاحب شرطته فقال له : قلّب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتيني برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه ، فو الله إني وأصحابي لبغزّة إذ هجم علينا فسألنا : ممن أنتم؟ فأخبرناه ، فساقنا إليه جميعا ، فلما انتهينا إليه قال أبو سفيان : فو الله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه أدهى من ذلك الأغلف (٧) يريد هرقل ، فلما انتهينا إليه قال : أيكم أمسّ به رحما ، فقلت : أنا ، فقال : ادنوه مني ، فأجلسني بين يديه ، ثم أمر بأصحابي فأجلسهم خلفي ، وقال : إن كذب فردوا عليه ، قال أبو سفيان : فلقد عرفت أن لو كذبت ما ردّوا عليّ ، ولكنّي كنت امرأ سيدا أتكرم وأستحي من الكذب ، وعرفت أن أدنى ما يكون أن يرووه عني ثم يتحدثوا به عني بمكّة ، فلم أكذبه ، فقال : أخبروني عن
__________________
(١) عن دلائل البيهقي والأغاني والطبري ، وبالأصل : القسط.
(٢) عن المصادر الثلاثة ، وبالأصل الجنان.
(٣) بالأصل : ظاهرا ، والصواب عن المصادر.
(٤) عن المصادر وبالأصل : الشام.
(٥) بعدها في المصادر ـ والنقل عن البيهقي ـ فلما انتهى إليه قال لترجمانه : سله ما هذا الخبر الذي كان في بلاده ، فسأله ...
(٦) عن المصادر ، وبالأصل : مجنون.
(٧) الأغلف : الذي لم يختتن.