كانت سجالا ، يدال علينا المرة ، وندال عليه الأخرى ، قال : في ما ذا يأمركم؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصّلاة والصّدقة ـ زاد ابن المقرئ : والعفاف ـ وقالا : والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، قال : فقال لترجمانه حين قلت ذلك : سألتك عن نسبك (١) فيهم فزعمت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في أنساب قومها ، وسألتك هل قال هذا القول منكم أحد قبله؟ فزعت أن لا ، فقلت : لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت : رجل يأتمّ بقول قيل قبله ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك قلت : رجل يطلب ملك أبيه ، وسألتك : أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ، فزعمت أنّ ضعفاءهم (٢) اتّبعوه ، وهم اتبعوه (٣) الرسل ، وسألتك ـ قال ابن حمدان : فذكر الحديث وساقه ابن المقرئ فقال : وسألتك هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون ، كذلك الإيمان حتى يخالط بشاشة القلوب لا يسخطه أحد ، وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل ، وفي حربكم وحربه دول يدال عليكم المرة ، وتدالون عليه الأخرى ، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة ، وسألتك ما ذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصدق ، والوفاء ، والعهد ، وهو نبي قد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أعلم أنه منكم ، وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، ولو كنت أظن أن أصل إليه لتجشمت لقاءه (٤) ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.
قال أبو سفيان : فدعا بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمر به ، فقرئ عليه ، فإذا فيه : بسم الله الرّحمن الرحيم ، من محمّد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى هرقل عظيم الرّوم ، سلام على من اتّبع الهدى ، أمّا بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وإن تسلم يؤتك أجرك مرتين ، فإن تولّيت فإن عليك إثم الأريسيّين ، (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) إلى آخر الآية (٥).
__________________
(١) كذا بالأصل ، والأشبه : «عن نسبه فيكم» باعتبار ما يأتي.
(٢) بالأصل : ضعفاؤهم.
(٣) كذا ، ولعل الصواب : «اتبعوا» ويصح أيضا : أتباع.
(٤) بالأصل : «لقيه».
(٥) سورة آل عمران ، الآية : ٦٤.