وفتنتهم بما رأوا من أثر العلم عليك ، وتاقت أنفسهم إلى أن يدركوا بالعلم ما أدركت ، ويبلغوا منه مثل الذي بلغت ، فوقعوا بك في بحر لا يدرك قعره ، وفي بلاء لا يقدر قدره ، فالله لنا ولك ولهم المستعان.
اعلم أن الجاه جاهان : [جاه](١) يجريه الله على يدي أوليائه لأوليائه ، للخامل ذكرهم ، الخافية شخوصهم ، ولقد جاء نعتهم على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يحب الأخفياء (٢) الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا ، وإذا شهدوا لم يعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى ، يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة» فهؤلاء أولياء الله الذين قال الله عزوجل : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٣). وجاه يجريه الله على يدي أعدائه لأوليائهم ، ومقة يقذفها الله في قلوبهم لهم ، فيعظمهم الناس تعظيم أولئك لهم ، ويرغب الناس فيما في أيديهم كرغبة أولئك فيه إليهم : (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٤).
ما أخوفني أن يكون لمن ينظر كمن عاش مستورا عليه في دينه ، مقتورا عليه في رزقه ، معزولة عنه البلايا ، مصروفة عنه الفتن في عنفوان شبابه ، وظهور جلده ، وكمال شهوته ، فعني بذلك دهره ، حتى إذا كبرت سنّه ، ودقّ (٥) عظمه ، وضعفت قوته ، وانقطعت شهوته ولذته ، فتحت عليه الدنيا شر مفتوح ، فلزمته تبعتها وعلقته فتنتها ، وأعشت عينيه زهرتها ، وصفت لغيره منفعتها ، فسبحان الله ، ما أبين هذا الغبن ، وأخسر هذا الأمر ، فهلّا إذا عرضت لك فتنتها ذكرت أمير المؤمنين عمر في كتابه إلى سعد ـ حين خاف عليه مثل الذي وقعت فيه عند ما فتح الله على سعد : ـ أما بعد ، فأعرض عن زهرة ما أنت فيه حتى تلقى الماضين الذين دفنوا في أسمالهم ، لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، لم تفتنهم الدنيا ولم يفتنوا بها ، رغبوا (٦) فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا ، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنك ، ورسوخ علمك ،
__________________
(١) زيادة لازمة عن م والحلية.
(٢) في م : الأتقياء الأخفياء.
(٣) سورة المجادلة ، الآية : ٢٢.
(٤) سورة المجادلة ، الآية : ١٩.
(٥) في الحلية : ورق عظمه.
(٦) بالأصل وم : أرغبوا.