اللهم إن كان سليمان وليك فيسّره لخير في الدنيا والآخرة ، وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى. قال له سليمان : قط؟ قال أبو حازم : قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله وإن لم تكن من أهله ، فما ينفعني أن أرمي عن قوس ليس لها وتر ، قال له سليمان : أوصني ، قال : سأوصيك وأوجز : عظّم ربك ونزّهه أن يراك حيث ينهاك ، أو يفقدك من حيث أمرك.
فلما خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار وكتب : أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير ، قال : فردها عليه وكتب إليه : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلا أو ردي عليك بذلا (١) ، وما أرضاها لك فكيف أرضا لنفسي. وكتب إليه : إن موسى بن عمران لما ورد ماء مدين وجد عليه رعاء يسقون ووجد من دونهم جاريتين تذودان فسألهما فقالتا : لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تحول إلى الظل فقال (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(٢) وذلك أنه كان جائعا خائفا لا يأمن ، فسأل ربه ولم يسأل الناس فلم يفطن الرعاء ، وفطنت الجاريتان ، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصة وبقوله ، فقال أبوهما وهو شعيب : هذا رجل جائع ، قال لإحديهما : اذهبي فادعيه ، فلما أتته عظمته وغطت وجهها وقالت : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا)(٣) فشقّ على موسى حين ذكرت أجر ما سقيت لنا ، ولم تجد بدا من أن يتبعها أنه كان بين الجبال جائعا مستوحشا ، فلما تبعها هبت الريح فجعلت تصفق (٤) ثيابها على ظهرها فتصف له عجيزتها ، وكانت ذا عجز ، وجعل موسى يعرض مرة ويغض مرة ، فلما عيل صبره ناداها : يا أمة الله كوني خلفي ، وأرني السمت بقولك ، فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ ، فقال له شعيب : اجلس يا شاب فتعشّ ، فقال له موسى : أعوذ بالله ، فقال له شعيب : لم أما أنت جائع؟ قال : بلى ، ولكني أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما ، وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من ديننا بملء الأرض ذهبا ، فقال له شعيب : لا يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي ، نقري الضيوف ، ونطعم الطعام فجلس موسى فأكل ، فإن كان هذه المائة دينارا عوضا لما حدّثت فالميتة ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحل من هذه ، وإن كانت لحقّ لي في بيت المال فلي فيها
__________________
(١) بالأصل : بذل ، وفي م : ندل. وكلاهما خطأ.
(٢) سورة القصص ، الآية : ٢٤ و ٢٥.
(٣) سورة القصص ، الآية : ٢٤ و ٢٥.
(٤) في الحلية ٣ / ٢٣٦ تصرف.