فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه ، فبكى سليمان وقال : ليت شعري ما لنا عند الله قال : أعرض عملك على كتاب الله قال : وأي مكان أجده؟ قال : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(١). قال سليمان : فأين رحمة الله يا أبا حازم؟ قال أبو حازم : (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٢) قال له سليمان : يا أبا حازم فأي عباد الله أكرم؟ قال : أو لو المروءة والنّهى. قال له سليمان : فأي الأعمال أفضل؟ قال أبو حازم : أداء الفرائض مع اجتناب المحارم ، قال سليمان : فأي الدعاء أسمع؟ قال أبو حازم : دعاء المحسن إليه للمحسن. [قال :](٣) فأي الصدقة أفضل؟ قال : للسائل البائس وجهد المقل ليس فيها منّ ولا أذى. قال : فأي القول أعدل؟ قال : قول الحق عند من تخافه أو ترجوه. قال : فأي المؤمنين أكيس؟ قال : رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها. قال : فأي المؤمنين أحق؟ قال : رجل انحط في هوى أخيه وهو ظالم ، فباع آخرته بدنيا غيره ، قال له سليمان : أصبت فما تقول فيما نحن فيه؟ قال : يا أمير المؤمنين أو تعفيني؟ قال له سليمان ؛ لا ، ولكن نصيحة تلقيها إليّ قال : يا أمير المؤمنين إن آباءك (٤) قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنده على غير مشورة من المسلمين ولا رضاهم ، حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة فقد ارتحلوا عنها ، فلو شعرت ما قالوا ، وما قيل لهم. فقال رجل من جلسائه : بئس ما قلت يا أبا [حازم] قال أبو حازم : كذبت إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيّننّه للناس ولا يكتمونه (٥). قال له سليمان : فكيف لنا أن نصلح؟ قال : تدعون الصّلف وتمسّكون بالمروءة وتقسمون بالسوية ، قال له سليمان : كيف لنا بالأخذ به؟ قال أبو حازم : تأخذه من حله ، وتضعه في أهله ، قال له سليمان : هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك؟ قال : أعوذ بالله ، قال له سليمان : ولم ذاك؟ قال : أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة ، وضعف الممات. قال له سليمان : ارفع إلينا حوائجك قال : تنجيني من النار وتدخلني الجنة. قال [سليمان : ليس لي ذاك ، قال أبو حازم :](٦) فما لي إليك حاجة غيرها. قال : فادع لي ، قال أبو حازم :
__________________
(١) سورة الانفطار ، الآية : ١٤.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ٥٦.
(٣) زيادة لازمة للإيضاح.
(٤) بالأصل : أباك.
(٥) إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران الآية : ١٨٧ (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ).
(٦) سقطت من الأصل واستدرك ما بين معكوفتين عن هامشه وبجانبها كلمة صح.