هشام : أصنعت هذا؟ قال : لا ولكنه أحد موالي وأعواني ، قال هشام : هذا أول الفرج.
قال : فحدّثني غير ابن جابر أن هشاما وجه الحرشي على البريد وأصحبه ممّن هو في عسكره من وجوه الناس نحوا من أربع مائة رجل وامرأة أن لا يمر بشريف من العرب إلّا استنفره من قومه ، ففعل.
قال : فحدّثني عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر قال : فأقبل سعيد الحرشي سريعا على البريد وأنا ببردعة على بيت مال أرمينية قال : فلقيته فرأيته كاسفا لونه منخزلا (١) ظهره على دابته. فلما دنوت منه قلت : السّلام عليك أيها الأمير ورحمة الله ، قال عبد الرّحمن : فاعتدل على سرجه ورد السّلام قال : ويحك ما فعل الجرّاح؟ قلت : يرحم الله الجرّاح فأسفر لونه ، وذهبت عنه كآبته وأقبل عليّ يسألني عن خبرهم وأمورهم ، حتى دخل بردعة ، ثم عسكر معسكرا وضوى إليه الفلّ وبقية الناس ، وأهل الحسبة حتى صار في الألف (٢) دون العشرة ، فأخبر أن صاحب خزر (٣) وجّه بما غنم من بلاد المسلمين من النساء والذّرّية وغيرهم من أهل ذمتهم مع طرخان من طراخنته من نحو من عشرين ألفا ـ أو قال : ثلاثين ألفا ـ إلى بلاده فدعا المسلمين إلى قتالهم ولقائهم ، فأجابوه إلى ذلك ، فسار بمن كان معه.
قال : فحدّثني عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر ، وشيخ من أهل حمص قالا : فسار إليهم ، حتى لقيهم بهم ، فقاتلوهم قتالا شديدا فنصرهم الله عليهم ، فاستنقذ جميع ما كان من ذلك والذّرية والسقبه (٤) ثم ثبت لهم معسكرا ليعترض من مرّ به منهم ، فانتخبوا الأبطال والفرسان منهم ـ يعني من خزر ـ ثلاثين ألفا ـ أو قالا : أكثر منها ـ فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمهم الله ، وقتلوهم مقتلة لم يقتلها قوم قط ، وبلغ ذلك الطاغية ، وقد بلغه إقبال مسلمة بن عبد الملك بالجموع ، فولّى قافلا إلى بلاده (٥).
__________________
(١) الخزلة بالضم : الكسرة في الظهر ، والأخزل من الإبل : ما ذهب سنامه كله.
(٢) كذا ، ولعله الآلاف.
(٣) بالأصل : «حز» والصواب ما أثبت عن م.
(٤) كذا رسمها بالأصل وفي م : والسيقة.
(٥) خبر مقتل الجراح بن عبد الله الحكمي ، وإرسال سعيد بن عمرو الحرشي وانتصاره على ملك الخزر وإنقاذه الأسرى والسبايا من المسلمين ورد مفصلا في الكامل في التاريخ لابن الأثير بتحقيقنا ـ حوادث سنة ١١٢.