نعم ، قد كنت أجير للمطعم (١) بن عدي ، والحارث بن أمية ركائبهما إذ قدموا علينا. فقال : لا أبا لك ، أهتف بالرجلين ، ففعلت ، فذهب إليهما فقال : إنّ هذا الرجل الذي في أيدي نفر من قريش يعبثون به تهتّف بكما ، يزعم أنه قد كان بينه وبينكم عقد وجوار ، فقالا : من هو؟ فقال : سعد بن عبادة ، فقالا : صدق والله إن كان ليفعل ، ثم جاءا إليّ حتى أطلقاني من أيديهم ، ثم خلّيا سبيلي ، فانطلقت.
فكان أول شعر قيل في الإسلام شيء قاله ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري (٢) في ذلك :
تداركت سعدا عنوة فابتدرته |
|
وكان شفاء لو تداركت منذرا |
فأجابه حسان بن ثابت فقال (٣) :
لست إلى سعد ولا المرء منذر |
|
إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمّرا |
ولو لا أبو وهب لمرّت قصائد |
|
على شرف الخرقاء يلمعن حسّرا |
أتفخر بالكتّان لمّا لبسته |
|
وقد يلبس الأنباط زنطا معصفرا (٤) |
فإنّا ومن يهدي القصائد نحونا |
|
كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا |
كتب إليّ أبو القاسم علي بن أحمد بن بيان الرّزّاز ، ثم أنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك ، أنا أحمد بن الحسين بن خيرون ، قالا : أخبرنا عبد الملك بن محمّد الواعظ ، أنا محمّد بن أحمد بن الحسن ، أنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا المنجاب ـ هو ابن ـ الحارث ، ثنا أبو عامر الأسدي ، عن ابن خرّبوذ (٥) المكي ، عن أبي الطفيل ، قال : جاء سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو يمتاران لأهل العقبة ، وقد خرج القوم ، قال : فنذر بهما أهل مكة فأخذ سعد وأفلت المنذر ، قال سعد : فضربوني حتى تركوني كأني ذهب أحمر قال : فجاءني رجل كأنه رجمني فقال : ويلك أما لك بمكة أحد تستجير به؟ قلت : لا والله ، إلّا أن العاص بن وائل السهمي قد كان يقدم علينا المدينة
__________________
(١) في ابن هشام : لجبير بن مطعم بن عدي.
(٢) كان ضرار شاعر قريش وفارسها ، ولم يكن في قريش من هو أشعر منه ، أسلم ضرار عام الفتح.
والبيت التالي في سيرة ابن هشام ٢ / ٩٣.
(٣) الأبيات في ديوان حسان بن ثابت ط بيروت ص ١٠٩ وابن هشام ٢ / ٩٤.
(٤) في المصدرين : ريطا مقصّرا.
(٥) بالأصل خربود بالدال المهملة.