عليها أريد بقاؤه لذاته فهذا لا نظر له فإن الأحباس إنما تراد لمنافعها لا لذاتها فلا يستدل بهذا الباب المستثنى على غيره ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يوقف دارا على أن تبقى ذاتها غير منتفع بها؟ وإن كان المراد بالمال المذكور منفعة أهل الكعبة والحرم وسدنة البيت أو ارصاده لعامة المسلمين فهذا لا يختلف فى أن قسمته على مستحقيه عمل بمقتضى الوقف لا إبطال له ، فالحق أن هذه الأموال أريد بها بقاء ذواتها أو تجمل الكعبة إقامة لأبهة الإسلام أو خرج عنها أصحابها على أن تبقى فى الكعبة غير قاصدين لمعنى آخر ، وعلى كل تقدير من هذه الثلاثة فهو تحبيس لا نظر له فلا يقاس عليه ، وهذا هو الوجه الذى رجع إليه عمر رضى الله عنه ، وعلى الجملة فالمسألة اجتهادية ، ومن هذه القاعدة الأموال التى تهدى للمشاهد كالشمع والزيت وقناديل الفضة التى لا يوقد فيها يجرى فيها هذا النوع من الاجتهاد ويحتمل الخلاف ، قلت : وقع لشيخنا الإمام أبى عبد الله بن عرفة رحمهالله تعالى فى كتاب الإيمان والنذور فى مختصره فى الفقه ما نصه : ونذر شيء لميت صالح معظم فى نفس الناذر لا أعرف نصا فيه وروى أن قصد مجرد كون الثواب للميت تصدق به بموضع الناذر وإن قصد الفقراء الملازمين لقبره أو زاويته تعين لهم إن أمكن وصوله لهم انتهى. وبقى عليه ما إذا علمنا نذره وجهلنا قصده وتعذر استفساره فعلى ماذا يحمل؟ والظاهر حمله على ما هو الغالب من أحوال الناس بموضع الناذر انتهى كلام الدمامينى. نقلناه برمته لنفاسته.
وهذا الفرع الذى نقله الدمامينى عن ابن عرفة نبه عليه الشيخ السبكى فقال : الكعبة والحجرة الشريفة قد علم حالهما الأول بالنص للحديث الوارد الذى قدمناه والثانية بالإلحاق به وبالقطع بعظمها ، وقد كثر فى البلاد وغيرهما أماكن ينذر لها ويهدى إليها ، وقد يسأل عن حكمها ويقع النظر فى أنها هل تلحق بهذين المكانين وإن لم تبلغ مرتبتهما؟ وقد ذكر الرافعى عن صاحب التهذيب وغيره أنه لو نذر أن يتصدق بكذا على أهل بلد عينه يجب أن يتصدق به عليهم ، قال : ومن هذا القبيل ما ينذر بعثه إلى القبر المعروف بجرجان ، فإن ما يجتمع فيه على ما يحكى يقسم على جماعة معلومين ، وهذا محمول على