يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) لأن تخريب الكعبة على يدى هذا الحبشى إنما يكون بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف ، وذلك بعد موت سيدنا عيسى صلىاللهعليهوسلم وذلك عند خراب الدنيا ، ولعل هذا الوقت هو الذى لا يبقى فيه إلا أشرار الناس ، فيكون حرما آمنا مع بقاء الدين وأهله وهذا هو الصحيح كما قاله أبو العباس القرطبى ، وأما ما ذكره الحليمى فضعيف ، فإنه ذكر أن ظهور ذى السويقتين فى زمن عيسى عليه الصلاة والسلام إليه طليعة ما بين التسعمائة إلى ثمانمائة ، فبينما هم يسيرون إليه أو بعث الله ريحا يمانية فيقبض فيها روح كل مؤمن انتهى. قلت : المذكور أن أول الآيات الخسوفات ، ثم خروج الدجال ، ثم نزول عيسى ، ثم خروج يأجوج ومأجوج فى زمنه ، ثم الريح التى تقبض أرواح المؤمنين فتقبض روح عيسى ومن معه ، وحينئذ تهدم الكعبة ويرفع القرآن ويستولى الكفر على الخلق ، فعند ذلك تخرج الشمس من مغربها ، ثم تخرج حينئذ الدابة ، وبعضهم يجعل خروج الدابة قبل طلوع الشمس من مغربها وتوزع فيه ، وعلى هذا فهذا يدل على أن خراب الحبشة للبيت إنما هو بعد سيدنا عيسى صلىاللهعليهوسلم. وفى حديث على كما فى الصحيح : «وكأنى برجل من الحبشة أصلع ـ أو قال أصمع ـ حمش الساقين قاعد عليها وهى تهدم» ورواه الفاكهى من هذا الوجه ولفظه : «أصقل» بدل أصلع وقال : قائما عليها يهدمها بمسحاته ، والأصلع من ذهب شعر مقدم رأسه ، والأصقل الصغير الرأس ، والأصمع الصغير الأذنين وعلى كل فكيف هذا مع ما نقل عن ابن الزبير من أنه أرقى عبيدا حبوشا يهدمونها رجاء أن يكون فيهم صفة الحبشى الذى قال فيه صلىاللهعليهوسلم «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبش» مع ما تقدم من صفاته وأنه مع جماعته يلقونها حجرا حجرا فى البحر ويأخذ كنزها ولا تعمر ولا يحج بعده ذلك وأن ذلك إما فى حياة عيسى صلىاللهعليهوسلم أو بعد موته وهو الصحيح؟ فحقا هذا على ابن الزبير رضى الله عنهما مع إقرار من كان عنده من الصحابة والعلماء مشكل جدا. وذكر الزركشى عن مسند أبى (١) داود الطيالسى أنه تجىء الحبشة فيخربونه خربا لا يعمر وقال صلىاللهعليهوسلم : استمتعوا من هذا البيت فإنه يهدم مرتين ويرفع فى الثالثة أخرجه ابن حبان (٢) فى صحيحه والحاكم (٣) فى مستدركه وقال : صحيح على شرط الشيخين. وفى رواية : يهدم مرتين ويرفع الحجر الأسود
__________________
(١) فى كتاب الحج ٣ / ١٠٣.
(٢) انظر ٢ / ١٣٣.
(٣) ٣ / ١٠٥.