وكان هذا الحريق عقب ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرض المدينة وحماية أهلها منها لما التجأوا إلى مسجدها فطفيت عند وصولها لحرمها ، وربما خطر ببال العوام أن حبسها عنهم ببركة الجوار موجب لحبسها عنهم فى الآخرة مع اقتراف الأوزار ، فاقتضى الحال البيان بلسان الحال الذى هو أفصح من لسان المقال ، والنار مطهرة لأدناس الذنوب وقد كان الاستيلاء على المسجد حينئذ للروافض والقاضى والخطيب منهم وأساءوا الأدب ، وقد وجد عقب الحريق على بعض جدران المسجد هذه الأبيات :
لم يحترق حرم النبى لحادث |
|
يخشى عليه وما به من عار |
لكنها أيدى الروافض لا مست |
|
تلك الرسوم فطهرت بالنار وغيره |
قل للروافض بالمدينة ما بكم |
|
لقيادكم للذم كل سفيه |
ما أصبح الحرم الشريف محرقا |
|
إلا لسبكم الصحابة فيه |
وفى ذلك كله عبرة تامة وموعظة عامة أبرزها الله تعالى للإنذار فخص بها حضرة الرسول النذير صلىاللهعليهوسلم ، وقد ثبت أن أعمال أمته تعرض عليه فلما ساءت منا الأعمال المعروضة ناسب ذلك الإنذار بإظهار عنوان النار المجازى بها فى موضع عرضها ، فإنا فى وجل مما يعقب ذلك حيث لم ، يحصل به الاتعاظ والانزجار قال الله تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)(١) وقال تعالى : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ)(٢) انتهى كلام السيد السمهودى.
وقد أخبر الصادق المصدوق بخراب هذا البيت الشريف بعد الإسلام مرتين وأنه يرفع فى الثالثة أو يرفع الحجر الأسود فيها على ما سيأتى ، وقد ذكر العلماء أن من جملة الآيات البينات المذكورة فى قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ)(٣) بقاء بنائه الذي بناه ابن الزبير إلى الآن ولا يبقى غير هذه المدة الطويلة على ما يذكره المهندسون ؛ لأن الرياح والأمطار إذا تواترت على مكان خربته ، والكعبة ما زالت الرياح العاصفة والأمطار العظيمة تتوالى عليها منذ بنيت وإلى تاريخه ولم يحدث بحمد الله تغير فى بنائها ، ولكن سقوطها الآن
__________________
(١) الإسراء : (٥٩).
(٢) الزمر : (١٦)
(٣) سورة آل عمران : آية (٩٧).