الناس الجبال ، واعتصموا بها ، فسمى بذلك الجحاف ولما بلغ الخبر عبد الملك بن مروان فزع لذلك وبعث بمال عظيم لعمل ظفاير الدور الشارعة على الوادى ولعمل ردم على أفواه السكك ليحصن بها دور الناس فعمل ذلك ، ومنها سيل يقال له : سيل المخبل ؛ لأنه أصاب الناس بعده شبه الخبل لمرض شديد فى أجسامهم وألسنتهم ، وكان سيلا عظيما دخل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة وذلك فى سنة أربع وثمانين ومائة ، ومنها فى هذه السنة سيل عظيم دخل المسجد الحرام وذهب بالناس وأمتعتهم وغرق الوادى فى أثره ، ومنها سيل فى خلافة المأمون سنة اثنين ومائتين ودخل هذا السيل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة ، وكان دون الحجر الأسود بذراع ، وخيف منه على المقام فرفع ، وهدم للناس دورا وذهب بكثير من الناس ، وأصاب الناس بعده مرض شديد من وباء وموت فاشى ، وسمى هذا السيل سيل ابن حنظلة ؛ لأنه جاء فى ولايته على مكة لحمدون بن على بن عيسى بن ماهان ، ومنها سيل فى خلافة المأمون أيضا فى شوال سنة ثمان ومائتين دخل المسجد الحرام وبلغ الحجر الأسود ، ورفع المقام من موضعه خوفا عليه من ذهابه به ، وكبس المسجد والوادى بالطين والبطحاء ، وقلع صناديق الأسواق ومقاعدهم وألقاها بأسفل مكة وهدم دورا كثيرة مشرفة على الوادى وذهب بناس كثير.
هذا ما ذكره (١) الأزرقى فى سيول مكة فى الجاهلية والإسلام وهى فى كتابه أبسط من هذا.
وذكر (٢) الفاكهى السيول التى ذكرها الأزرقى أقصر مما ذكره وذكر فى ذلك ما لم يذكره الأزرقى ، لأنه ذكر أن السيل الذى يقال له المخبل كان فى ولاية حماد البربرى على مكة وهذا لا يفهم من كلام الأزرقى ، وذكر أن السيل الذى يقال له : سيل ابن حنظلة ، كان عظيما ملأ الوادى وعلاه قيد رمح وهذا أيضا لا يفهم من كلام الأزرقى.
ونقل الفاكهى هذا عن أبيه إسحق بن العباس.
__________________
(١) أخبار مكة ١ / ١١٥
(٢) أخبار مكة ١ / ٩٥