وروى الأزرقى (١) بسنده عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال : جاء سيل فى الجاهلية كسى ما بين الجبلين ، ثم ذكر الأزرقى سيول مكة فى الإسلام فمنها على ما ذكر السيل المعروف بسيل أم نهشل بنت عبيد بن سعيد بن العاص بن أمية لذهابه بها ، ودخل هذا السيل المسجد الحرام من الوادى ومن أعلى مكة من طريق الردم ، وذهب بمقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى وجد بأسفل مكة فأتى به وربط عن الكعبة بأستارها ، وأخبر عمر بن الخطاب بذلك فأقبل فزعا حتى وصل إلى مكة ورد المقام إلى موضعه وعمل الردم الذى بأعلى مكة صونا للمسجد بناه بالظفاير والصخر العظام وردمته بالتراب وهو معروف عند الناس إلى اليوم ، ولما ردم هذا المكان صار السيل إذا وصل من أعلى مكة لا يعلو هذا المكان بل كان ينحرف عنه إلى جهة الشمال المستقبل للبيت الشريف للبناء الذى بناه عمر رضى الله عنه فلا يصل هذا السيل إلى وادى إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، ويكاد يمنع جريان هذا السيل إلى أسفل مكة سيل آخر يعترضه يسمى سيل لفيم يجتمع من الجهات التى فى جنوب مكة وينصب من محلة حياة ويمر عريضا إلى أن يصدم الركن اليمانى من المسجد وينحرف إلى أسفل مكة ، وقوة جريانه تمنع من جريان سيل وادى إبراهيم فيقف ويتراكم ويدخل المسجد الحرام ، وتقع مثل هذه السيول عليه من كل عشرة أعوام تقريبا مرة ، فيدخل المسجد الحرام ويحتاج إلى تبديل وتنظيف الحصى ونحو ذلك ، وقد عمل المتقدمون والمتأخرون لذلك ، طرقا واهتموا غاية الاهتمام ، فاندرست أعمالهم بطول الزمان ، ولم يتفطن الملوك بعدهم لذلك ، واستمرت السيول العظيمة بعد كل مدة تدخل إلى المسجد.
ونقل الأزرقى (٢) عن جده أنه جاء بعد ذلك أسيال عظائم فلم يعمل ، منها سيل هذا الردم ، ومنها السيل المعروف بسيل الجحاف فى سنة ثمانين من الهجرة بينما الحجاج نازلون بوادى مكة وقد ضربوا الأبنية أتاهم فى غبش يوم التروية قبل صلاة الصبح سيل ذهب بهم وبمتاعهم ، ودخل المسجد الحرام ، وأحاط بالكعبة ، وهدم الدور الشارعة على الوادى ، وقتل الهدم أناسا كثيرا ورقى
__________________
(١) أخبار مكة ١ / ١١٥.
(٢) أخبار مكة ١ / ١١٥.