احتظى من عام إنعامه كل غنى وفقير ، وارتضع من ثدى إحسانه كل صغير وكبير ، فهو حسنة الزمان ، وعزة جبهة الدهر والأوان ، حاكم الأقطار الحجازية ، والتخوت اليوسفية ، مولانا الوزير محمد باشا يسر الله له من الخير ما شاء ، فاهتم لذلك غاية الاهتمام ، وأحضر لمجلسه الشريف علماء الإسلام ، وعرض ما وصل لحضرته من فتاوى علماء الحجاز ، غير مكتف بها لعدم إفصاحها عن كنه المراد ، مع عدم خلوها عن نوع من المجاز ، وطلب من العلماء الحاضرين بيان الحكم الشرعى ، وإظهار مقدار ذلك المقام المرعى ، وكان الفقير ممن شمله ذلك المجلس الشريف ، مع أفراد من أعيان كبار العلماء أرباب الإفتاء والتصنيف فعند ذلك فتح الكلام فى بيان تلك الأحكام ، وما منا إلا من أفصح عن بيان ذلك بغاية الإحكام.
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا |
|
وسالت بأعناق المطى الأباطح |
ثم انتهى المجلس الشريف مع مزيد الدعاء لعلى مقامه المنيف ، فبعد ذلك أدير الكلام بين العلماء فى جميع المجالس ، وصار ذلك مصاحبة القاعد والجالس ، ولما رأيت بضاعة العلماء عند حضرة هذا الوزير نافقة ، وأغصان كمام الفضلاء فى روض سدته بأنواع السرور باسقة ، أحببت أن أبيض من هذا التأليف الفريد ، والتصنيف الوحيد نسخة أهديها إلى خزانته المعمورة ، وساحته التى بمزيد جبر خواطر العلماء مشهورة ، فوجهت ركاب النظر شطر ذلك المطلب ، وتوجهت تلقاء مدين ذلك المأرب ، وجعلت وصف الذل للمرآة صقالا ، فلمع شئ من البوارق رحب مقاما وعذب مقالا ، أجراها المولى الكريم على اللسان ، فقل أن يجري مجراها إنسان ، تطرب وترتاح عند سماعها الأرواح ، هى من الدر المصور ، والسر المكنون ، وقد صدر ذلك فى زمن يسير ، عن خاطر بأعباء الأكدار كفيل ، ونشأ عن فكر كدت عليه آلام الملمات فهو عليل ، وانبعث عن ذهن ذهبت به خطوب الحوادث فهو كليل ، إن نام ففؤاده بالهموم مأسور ، وإن قام فقلبه بغمرات الغموم مغمور ، وكيف لا وقد أقعد صحيح فضله كسر مقيم ، وأعدم وجود كمالاته حظ سقيم؟ ولو كان فردا لما اشتكى جميع الهموم من المسألة عائلة ، والأعضاء بخصوص الضجر بالقلب من التعب فى غموم.
ولو كان هما واحدا لاتقتيه |
|
خواطر قلبى كلهن هموم |
وقال :