سيدنا عمر رضى الله عنه أعفوا قبره الشريف وعموه عن الناس فعل ذلك الصحابة رضى الله عنهم بأمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وقصته أن المسلمين لما فتحوا تستر التى تسميها العجم تشتر وجدوا عندها قبرا عظيما قالوا : إنه قبر دانيال ووجدوا عنده مصحفا أى كتابا ، قال أبو العالية : أنا قرأت ذلك المصحف وإذا فيه أخباركم وسيرتكم وكلامكم ، وشموا رائحة طيبة ووجدوا الميت بحالة لم يتغير فكتب بذلك أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فأمر عمر أن يحفر بالنهار بضعة عشر قبرا فإذا كان الليل دفنه فى قبر من تلك القبور ليخفى أثره لئلا يفتتن به الناس ويتخذوه مصلا ومسجدا ، فعند ذلك أكرمه أبو موسى رضى الله عنه وصلى عليه ودفنه ، كذا قاله السخاوى وغيره فى تهذيب الأسماء أن قبره بنهر السوس ، وذكر بعض العلماء أن التمثال فى شريعة من قبلنا مباح وأنه وجد خاتم سيدنا دانيال صلىاللهعليهوسلم فى عهد عمر رضى الله عنه وكان على فصه أسدان وبينهما رضيع يلحسانه ، وذلك أن بختنصر لما أخذ فى تتبع الصبيان وقتلهم وقد ولد هو ألقته أمه فى غيضة رجاء أن ينجو منه ، فقيد الله سبحانه أسدا يحفظه ولبؤة ترضعه وهما يلحسانه ، فلما كبر صور ذلك فى خاتمه حتى لا ينسى نعمة الله عليه ، قلت : وقضية ذلك أنه إنما أدرك بختنصر وهو طفل ، فكيف؟ قال النووى أنه كان فى أيام بختنصر وأنه أسره مع من أسره وحبسه ثم رأى بختنصر رؤيا أزعجته وعجز الناس عن تعبيرها ففسرها له دانيال فأعجبه وأكرمه انتهى. قال شيخ الإسلام ابن قدامة الحنبلى هذا الذى قصده عباد القبور من التعظيم هو بعينه السبب الذى لأجله حرم رسول الله صلىاللهعليهوسلم اتخاذ القبور (١) مساجد ، وإيقاد السرج عليها ، ولعن فاعل ذلك ، ونهى عن الصلاة إليها ، وحرم اتخاذ قبره عيدا ، ودعا ربه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد ، ولأجل ذلك أمر عمر رضى الله عنه بتغييب قبر سيدنا دانيال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى زمن الصحابة رضى الله عنهم ، ألا ترى إلى ما روى عن سيدنا عمر رضى الله عنه أنه رأى فى بعض حجاته الناس ابتدؤا مسجدا ، فقال : ما هذا؟ فقالوا : مسجد صلى فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار الأنبياء بيعا ، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل ومن لم يعرض له فيمعن ، وقد كان قبره صلىاللهعليهوسلم من حين دفن لم يمكن
__________________
(١) انظر اقتضاء الصراط المستقيم ص ٥٦.