بقينا هنا ساعة ، وبعدها غصنا ثانيا فى بحر الرمال اللانهائى وسرنا به ثمانية عشر ساعة مستمتعين تارة بهديل القمرى ، وتارة أخرى بمطاردة النعام ، أو صيد الغزلان ، والآرانب البرية.
منزل شق العجوز :
أطلق عليه هذا الاسم لإن على بن أبى طالب رضى الله عنه كان قد شق عجوزا شمطاء إلى شقين بسبب سوء خلقها ، وما زال جسدها كالحجارة السوداء فى غرب الطريق. ويطلق الآهالى على هذا المكان «المنطقة التى لا يمر بها الخازوق». وقد أمرت ، والدة السلطان بحفر عدة آبار فى هذه المنطقة هذه السنة. لم نمكث هنا طويلا. وبينما كنا نسير مستمتعين بهديل القمرى ، فإذا بصوت جاويش الكتيبة يقطع هذا السكوت معلنا : «سنصل اليوم عند الظهر إلى الممر الضيق المسمى «قضاء سيدنا صالح» فأستعدوا ، وكونوا على يقظة تامه لإن ابن رشيد قام بقتل الحجاج فى هذا الموقع فى العام الماضى. والواقع انه منقاد لطاعة حسين باشا هذا العام ، ولكن ربما تشعر قبيلة أخرى برغبة فى النهب أو يستشعرون لذة من ذلك. فلا تغفلوا ...». وقد حرص الباشا على أن يجعل الجند يسيرون فى نظام وانتظام بأسلحتهم وهم فى وضع الإستعداد الدائم. وبعد قليل عاد المبشرون من المقدمة معلنين :
«كان الآعراب ينتظرون وصولنا بعد يومين. ولقد قضينا علي بعض العصابات وعدنا ببعض الرؤوس والألسنة ..».
عتيق الرمال :
ما أن تصل القافلة إلى مضيق النقب حتى تواجه بعتيق الرمال ، وهو بحر من الرمال والنيران ، وعنده تتسمر الجمال واقفة وهى تبعبع. ويسمى الجبل المحيط بهذا المضيق «جبل الناقة» وسبب هذه التسمية أن سيدنا صالح قد أرسل إلي قومه فى هذه البقاع ، ولم يؤمن بع بعض من قومه ، وأنكروا عليه دعوته ، وأصروا على عقر ناقته ، فأخذوا يرصدونها ، وخرجوا يرقبونها ، فلما صدت عن وردها ، ورجعت عن مائها ، فرموها بسهم انتظم عظم ساقها ، وابتدرها آخر منهم بالسيف ، فكشف عن عرقوبها ، فخرت على الأرض ، فطعنها فى لبتها فنحرها ... فرعدت السماء رعدة