زاروها .. والوديان التى نزلوها .. والجبال التى قطعوها .. والصعوبات التى واجهوها .. قيّدوا ما رأوا من آثار .. وسجلوا ما وعته الذاكرة من العادات والآعراف .. وسمات الثقافات ولطائف الأخبار ..
إن هذه اللفتات التى نعثر عليها فى كتب الرحلات هي التي تميز الرحّالة عن الجغرافي .. فالجغرافي ؛ يسأل ، ويستقصي ، ويقيس ويحقق ، ويحاول أن يحتوي كل جزء من المنطقة التى يعرض لدراستها ، أما الرحالة فيلتقط ما يشاهده من جزئيات .. ويرسم لنا منها صورة .. تتطابق .. وتتشابك آحيانا .. وربما تتنافر وتتباعد أحيانا أخرى .... ففيها ذاتية المشاهد .. وموضوعية الموجود ..
أدب الرحلات :
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢))(١) فكان لقريش رحلتان ؛ رحلة الشتاء ، ورحلة الصيف .. وكانتا للتجارة .. ذلك لأن أهل مكة كانوا تجارا .. وكانت قوافلهم تنقل المتاجر من اليمن إلى الشام ، وتحمل بضائع الشام إلى اليمن ..
الفتوح العربية الإسلامية ، فتحت الأفاق ، وآتسعت رقعة الإتجار ، وتبادل السلع والمتاجر .. وكان التجار يتعرفون على اهل الديار وثقافاتهم ، وكانت هذه المعرفة تنتقل رواية ، وآخبارا حتى قيض الله لها من يدونها ، وتصبح جزءا من التراث الأدبي للرحلة.
رحل الناس فى طلب العلم من مكان إلي آخر ، فهذا بغدادى يشد الرحال إلى دمشق وهذا دمشقى يقصد بخارى ، وهذا تونسى إلى القاهرة وهذا قاهري يطلب العلم فى فاس ... وهذه الرحلة فى طلب العلم ؛ كانت أحرى بأن تدوّن أخبارها ، وتبقى آثارها من أخبار تنقل التجار ، وآصحاب الآعمال .. ومن هذه ، وتلك وصلت إلينا أخبار ، وأخبار هي من مفاخر التراث الإسلامي.
جاء الإسلام ، ففرض الحج علي المؤمنين ، ولو أنه جعل الإستطاعة شرطا ، والذين استطاعوا إلي الحج سبيلا ، فى هذا التاريخ الطويل ، كثر. ولم يكن جميعهم ممن
__________________
(١) سورة قريش الآيتان ١ ، ٢.