بيان فى بداية الخيرات والكسوة
الشريفة لمكة المكرمة
بداية ، الحجاج هو الذى أتم باب الكعبة ، وهو الذى أمر بإعداد كسوة لها من الديباج .. وفي الزمن القديم قام التّبع اليمانية يعنى السلاطين اليمنيون القدامى بكسوة الكعبة بالحصير سنويا .. وكان المأمون بن هارون الرشيد طوال مدة خلافته يكسو الكعبة المشرفة بكسوة من الديباج .. وبمرور الآيام خربت الأوقاف التى كانت موقوفة عليها ، إلى آن قامت السيدة شجرة الدّر (١) زوجة الملك الصالح نجم الدين الآيوبي بإعداد كسوة سوداء مطرزة بخيوط الذهب من آدناها إلى آعلاها .. وألبستها للكعبة المشرفة .. ومنذ ذلك الحين أطلق على الكعبة (كعبة الله) وقد يسّرت عليها الكثير من الخيرات العظيمة. ولم يتيسر لأحد من الملوك أن يسيّر إلى مكة بمثل ما سيرته هذه السيدة شجرة الدّر. وقد علم الحقير ، أنه عند ما كان ابراهيم باشا الموسطارى حاكما على مصر عيّن ناظرا لكسوة الكعبة. وأوقف الكثير من الآماكن ، والقرى المعمورة لهذا الهدف ، بحيث كان ريعها السنوي مائة وسبعين كيسه مصرية (٢). وكان أمين الأوقاف وناظر الكسوة يشترون عشرين قنطارا من الحرير ، ويصبغونها باللون الأسود ، ويشترون عشرين أوقية من الذهب الخالص ، وألفين دينارا من الصيرمة ـ «خيوط الذهب» الإفرنجية. ويقوم بتشغيلها وتطريزها مائة وخمسون نفرا من أمهر الصنّاع فى قصر يوسف بمصر المحروسة ، وفى غرة الشهر المولود (٣) ، تقام الورش ، ويغزلون ـ يبرمون الصيرمه ، ويشرعون فى الشغل ، ويعملون على مدار ثمانية أشهر كاملة ، وفى اليوم الأول من شوال يحضرون إلى مقام الوزير نموذجا من إبداعهم ، ويتم عرضه ، وعرض مهاراتهم .. فإذا كانت ممتازة ، وبلا نظير ، ينعم عليهم بالإحسانات الوفيرة ، والتى بها تقر أعينهم ، وتطيب
__________________
(١) شجرة الدّر : إحدى ملكات مصر فى العصر المملوكى الأيوبى ، وترتيبها التاسع بين الملوك الآيوبيين. تولت الحكم سنة ٦٤٨ ه وتلقبت ب «ملكة المسلمين والدة خليل». «المترجم»
(٢) الكيسة المصرية : وكان ذهبها ذهبا خالصا. وعياره هو الذى تقاس عليه بقية السكة المضروبة من الذهب فى الدولة العثمانية ، والدول الإسلامية.
(٣) الشهر المولود : أى بداية الشهر الذى يولد فيه الهلال ويكون محددا لبدأ أعمال الكسوة.