يمت إليها بصلة عن كل ما في الوجود ، كل ذلك رغبة في العلم ، ووصلة إلى فهم الشعوب وعاداتها وأخلاقها ، لوسائل كثيرة ، منها : علمية محضة ، ومنها سياسية واقتصادية ونحو ذلك. ومن التواريخ التي أصبحت اليوم تدرس في جامعات الغرب كفن مستقل : تأريخ اليمن القديم وما به من النقوش والآثار والعاديات وما خلفه آباء اليمنيين من آداب وثقافة صقلت العقل الإنساني وازدانت بها حضارة البشر في أيامهم ، وهي اليوم كعبة تحج إليها أفئدة النوابغ افتنانا بروعتها وجلالها ، وترتشف من معينها العقول ويتخذ منها الأقوام درعا لتوطيد أركانها وتخليد كيانها.
ذلك ما حدا بي إلى تقليب صفحة من صفحات تاريخ هذه الأمة الضخم ، والتنقيب عن بعض فرائد عقدها الثمين ، وإن كان ماضيها كثير الظنون قل أن يفوز الخرّيت منه بما يشفى الأوام ، ويطفي لاعج الغرام ، لما على لياليه الماضية ، وأيامه الخالية ، من غبار الدهور ، وكلاكل العصور.
وهيهات أن يجد المشتاق بالرسوم العافية ، والأطلال البالية ، ما يجده بمطرحات تفيض النعمة من ثناياها ، وتتسابق الشموس متطاولة من أبراجها وحناياها.
اللهم إلا أن تكون مرابع أنس ، ومراتع سرور ، أقوت عن القطان وفارقها السكان ، ونزع عنها الأخلاء ، ولم يبق من أثا فيها إلا : (نقط يشك الشاك فيها) ، فإن لها ذكريات لا تقوى يد الحدثان على الدنو من قدس تذكرها.
وهذه الذكريات إحدى عناصر التاريخ ومميزات هذا الإنسان ، فهو لا يقنع بما هو آت ، ولا يسأم الوقوف أمام المخبآت : غاص أعماق البحار ، وركب متون الأخطار ، واستنطق الجماد ، وغزا اللانهاية بقوة فكره ، وحاول أن يفجع الغد في مخبآت سره رغبة في الاطلاع ، وهياما بالرواية والسماع ثم هو مع هذا : (دائم الحنين إلى سالف خال والبكاء على دارس بال) ، لا