عند ما رفع المغفر ، وهو يتصّبب عرقا ، فارتعش منها واختلجت بشرة وجهه ، وعاش بقيّة عمره كذلك ، ودخل رؤساء العرب مسلّمين على الحرّة أسماء فقابلتهم سافرة كعادتها أيّام زوجها علي بن محمد ، ثم أمر المكرم بإنزال الرأسين وعمر عليهما مشهدا (١) ، ورجع بأمّه إلى صنعاء وعمّل على زبيد خاله أسعد بن شهاب.
ما كان بين الأشراف والمكرم بعد عوده من زبيد
أشرنا إلى الصلح الذي كان الاتفاق عليه قبل نزول المكرّم لمناجزة العبيد فبينما كان المكرّم يستعد لقتال سعيد الأحول ، إذ فرغ الأحول إلى التّفكير فيما يدفع عنه عادية المكرم ، ويصد عنه غاشية أبناء قحطان ، فلم ير وسيلة أفضل من أن يرسل وفدا إلى الشّريف الفاضل يحرك من نشاطه ، ويحثه على مناجزة المكرّم ، والزّحف على صنعاء وأنبأه أنه على استعداد لمعاونته والطلوع إلى صنعاء لمضايقتها ، وطلب من الشّريف الفاضل أن يعيّن موعدا يهرع الفريقان فيه إلى عضد شوكة المكرّم ، وإحتلال صنعاء ، فغنم الفاضل هذه الفرصة فأكرم وفادة الوفد ، وأسرع إلى تحرير الجواب وفيه الموعد المعين لمهاجمة صنعاء ، وأرسل وفدا يحمل المخابرة ، ويوثّق الصّلات الودية ، وبينما هو يلقي دروسه على الوفد ، إذ بالأنباء تطير بأن الأحول ارغمت انفه وترك البلاد ولاذ بالفرار ، وأن المكرّم ربح المعركة ، وقضى على الطّائفة الحبشيّة المتغلّبة في أطراف البلاد ، وحينئذ عرف الشّريف الفاضل خطورة الموقف ، وشرع يفكر في عمارة شهارة ، واتخاذها معقلا ، ولما عاد المكرم إلى صنعاء اتّجه (٢) إلى نجران ، وفي أثناء سفره وافته الأنباء بقدوم (الإمام ابو الفتح الديلمي) من العراق وقصده لأول أمره بلد ضاعن (٣) ، ثم
__________________
(١) انظر هذه الحادثة في جل كتب التاريخ اليمني وهم ينقلون عن عمارة.
(٢) الضمر يعود إلى الشريف الفاضل.
(٣) ضاعن : بلد من جحور شمال جحة.