وهي مرتبة بعد مرتبة. ويبدو أنّ تأويلها هنا ذات العروج المتواصل ، وذلك يظهر من الآية التالية.
ولكي ينسف السياق أسس التفكير الخاطئ عند أولئك السفهاء الذين استعجلوا عذاب ربهم العظيم ، تلك الأسس القائمة على حسابات قصيرة ، يهدينا القرآن إلى حقائق الزمن اللّامتناهي الذي سوف يعيشه الإنسان ، لكي يمتد وعي الزمن لدينا من مقاييس اللحظات الحاضرة إلى آفاق الآباد المطلقة والمستقبل الذي لا ينتهي ، وهناك نعيش حقيقة أنفسنا وحقيقة الظواهر المحيطة بنا.
إنّ من يتخذ المقاييس الدنيوية معيارا في معادلة الزمن يظنّ أنّ مائة سنة شيئا كثيرا ، ولكنّه حين يطلع على الأفق الواسع للزمن عند الله حيث الحساب بمليارات السنين وحيث الخلود فإنّ المعادلة تختلف بالنسبة إليه لحتى يكاد يرى وعد الله بالآخرة واقعا أمام عينيه .. فهؤلاء الملائكة يسبقهم الروح يعرجون خمسين ألف سنة إلى الله في الآفاق الواسعة ، ولأنّها حسب فهمنا الأرواح النورانية ذات القدرات الهائلة فإنّ عروجها ليس بحسابنا نحن في السرعة ، بل بحساب لا يستوعبه عقل البشر .. ومع ذلك فإنّ خمسين ألف سنة يعرجون فيها ليست عنده تعالى إلّا كيوم واحد لا أكثر!
(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)
والعروج عروجان : عروج مادي في آفاق الوجود ، وعروج معنوي في آفاق القرب من الله ، وليس لله مكان ، تعالى أن يخلو منه مكان أو يحويه مكان ، ومن هنا فإنّ عروج الملائكة والروح إليه عروج في القرب منه ، قرب الفضيلة ، ولا ينفي ذلك حقيقة عروجهم ماديّا في منازل السموات وإلى العرش ، بل هذا العروج بذاته رمز للقرب المعنوي منه سبحانه ، ومن هنا اختلفت الملائكة فمنهم من يعرج إلى السماء