نفي ذلك المذهب ، وبيان أنّ ذلك إنّما حصل بتقدير الله وقدرته ، فإنّه لو لا هذه الدقيقة لما حصل التخويف والتحذير عن العقاب (١) ، والكلمة نفسها تنفي الوهم بأن العاتية هي التي خرجت عن التقدير والتدبير ، كذلك تجاوز الخطر عن النبي هود والذين آمنوا معه (حيث كانت تمرّ عليهم كالنسيم) دليل على أنّها كانت مسخّرة مدبّرة.
ونتساءل : لماذا لم يجعل الله الريح لحظة واحدة وهو قادر على إهلاكهم بها؟ ربما صيّرها الله سبع ليال وثمانية أيام (قالوا : من صباح الأربعاء إلى مساء مثله من قابل) (٢) لأنّه أبلغ أثرا في نفوس المعذّبين حيث المدة أطول ، كما أنّه أفضل موعظة في قلوب المؤمنين والمعاصرين لهم ، وأشد تحذيرا للّاحقين ، ولعل في ذلك إشارة عبر التاريخ إلى مدى تحصّنهم وأسباب البقاء التي كانت في حضارتهم ، قال الطبرسي في مجمع البيان : الحسوم : المتوالية ، مأخوذة من حسم الداء بمتابعة الكي عليه ، فكأنّه تتابع الشر عليهم حتى استأصلهم ، وقيل : هو من القطع ، فكأنّها حسمتهم حسوما ، أي أذهبتهم وأفنتهم ، وقطعت دابرهم (٣) ، وسمّي السيف حاسما لأنه يحسم الأمر ويقطعه (ويقطع المضروب به) (٤).
(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)
أي في تلك الأيام والليالي ، أو في قراهم ، وحيث وقعوا صرعى فهم أشبه ما يكون بجذوع النخل المنتشرة على الأرض والخالية بالنخر من داخلها فهي لا تنفع
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ١٠٤.
(٢) كذلك في النصوص.
(٣) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٣٤٤
(٤) التحقيق في كلمات القرآن / مادة حسم.