بالريح (الخزنة) بأن أوحى الله لها مباشرة أن تهلكهم بلا واسطة ، والآخر : أنّها التي لا قبل لأحد بمواجهتها ومقاومتها ، فهي تعتو على كلّ أحد وكلّ وسيلة ، قال الزمخشري : شديدة العصف والعتو ، أو عتت على عاد فما قدروا على ردّها بحيلة ، من استتار ببناء ، أو التجاء بجبل ، أو اختفاء في حفرة (١). والمعنى الأصيل : أنّها التي بلغت من الشدة ما تجاوزت به القوانين والمقاييس الطبيعية ، وبكيفية لا يمكن البشر تصورها ، لأنّ أصل العتو هو الخروج عن الحد ، قال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) (٢) ، وقال : (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) (٣) ، وإنّما جعل الله الريح عاتية على عاد لكي يعكس عتوّهم عن أمره عزّ وجل ، فإنّه لو أراد أحد تصوّره في عالم التكوين فسيجده تماما كالريح الصرصر حينما تتجاوز الحد المتعارف ، بل هي أعظم من ذلك لأنّ رياح الشهوات العاتية في الحقيقة هي التي دمّرتهم ، ولم تكن الريح الظاهرة إلّا تجسيدا وعاقبة لها.
(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً)
فهي لم تأتهم صدفة بسبب نحس أو تغيّر كوني خارج عن الحساب والسنن ، إنّما جاءت الريح بإرادة إلهية سخّرتها ، وكذلك ينظر المؤمنون إلى الأحداث ويحلّلونها ، أمّا غيرهم فإنّهم لا تفيدهم عبرة ، لأنّهم يفسرونها بالصدفة أو بتغيّرات مبتورة تعكس جهلهم أو تجاهلهم ، ولا يفكّرون بعقولهم التي لو استثاروها لهدتهم إلى يد التدبير التي تهيمن على الخليقة!
قال الفخر الرازي : وذلك لأنّ من الناس من قال : إنّ تلك الرياح إنّما اشتدت لأنّ اتصالا فلكيّا نجوميّا اقتضى ذلك ، فقوله : «سخّرها» فيه إشارة إلى
__________________
(١) الكشّاف / ج ٤ ص ٥٩٩
(٢) الطلاق / ٨
(٣) الذاريات / ٤٤